في سنة عشرين و ألفين، أثناء فترة الجائحة حين توقفت الحياة عن عاديتها، واحتجزتنا الجدران خلف كمامات صامتة، بدأ الجميع يتحدثون عن نجاحاتهم الشخصية.
صديقي “م” الذي أقلع عن التدخين، و آخر تحرر من قبضة الإدمان.
كنت سعيداً لأجلهم أتابع كلماتهم، ألمح فخرًا يشع من وجوههم، وأسمع نبرات النصر في أصواتهم.
لكن ثمة تساؤل كان يراودني،
ماذا عني؟ لم أكن مدخنًا لأقلع، ولا مدمنًا لأتعافى.
كنت شخصًا عاديًا جدًا، لا عادات سيئة لديّ لأحاربها، ولا قصص درامية لأرويها.
شعرت وكأن إنجازاتي، مهما كانت، لا تُحتسب لأنني لم أكن بحاجة إلى تغيير جذري في حياتي.
لكن هل هذا يعني أنني أقل قيمة؟ هل يعني أنني بحاجة لأن أسقط في الظلام لأعرف طعم النور؟
عزيزي القارئ، ربما شعرت يومًا بما شعرت به، ربما نظرت إلى نفسك في المرآة وفكرت:
“لماذا لا أملك قصة ملهمة؟ لماذا لا يُصفّق لي أحد؟”
دعني أخبرك بشيء: أنت لست وحدك.
العالم يحب القصص الكبرى، تلك التي تصرخ بالدراما وتضيء بأنوار المسرح، لكن ماذا عن أولئك الذين يجدون في الاتزان والهدوء معنى أعمق؟ كما يقول نيتشه:
“إن السعادة الحقيقية لا تأتي من الأشياء العظيمة والنادرة، بل من التفاصيل اليومية الصغيرة التي تمر دون أن ننتبه لها.”
ماذا عن أولئك الذين اختاروا ألا يسقطوا في القاع أصلًا؟ ألا يستحقون التقدير؟
أنت الذي لم تدخن أبدًا، الذي حرصت على الحفاظ على صحتك من البداية، أنت الذي استيقظت كل يوم لتفعل ما يجب عليك فعله، حتى عندما لم يكن هناك من يراقبك أو يشجعك.
أنت الذي كنت عاديًا في نظر الآخرين، أنت بطل في صمت.
تخيل كم من الصبر يتطلبه الأمر لتظل على المسار الصحيح، كم من القوة لتقاوم الانجراف نحو الخطأ فقط لتشعر بلذة النهوض.
العاديون مثلك ومثلي لا يملكون صورًا “قبل” و”بعد” لنشاركها.
ليس لدينا أوزان زائدة كي نخسرها أو عادات سيئة نتخلى عنها. لكننا نملك شيئًا آخر: و هو القدرة على الحفاظ على التوازن في عالم يهتز من حولنا.
فإذا شعرت يومًا بأنك لا تُحسب، أو أن إنجازاتك غير مرئية، فتذكر هذا: إنجازك الحقيقي هو أنك حافظت على نفسك.
أنك لم تحتَج إلى السقوط لتعرف كيف تنهض.
أنت لست بحاجة إلى تصفيق الآخرين، يكفي أن تقول لنفسك: “أنا بخير، وأنا فخور بما أنا عليه.”
في النهاية، أريدك أن تعرف أنني معك، نحن معًا في هذا العالم الذي يُبالغ في تقدير الدراما وينسى تقدير العاديين، دعني أربت على كتفك، وأهمس في أذنك:
“أنت جيد بما فيه الكفاية، وهذا يكفي.”.
ربيع إسماعيل