د. محمود شريف- شاعر
#تشاد
أقاموا في الثرى قبل الحقول
وعاشوا في الصدى بعد الطبول.
رأوا باب الحقيقة دون قفل
ولكن لا سبيل إلى الدخول.
كدرويش يعاني السر لكن
تهيب من مقامات الذهول.
يحاول غاية فإذا تناهى
تخلت عنه ذاكرة الوصول.
على أمل السراب مشوا ظماء
وساروا للصباح بلا دليل.
ومذ هشموا زجاج الشرق ظلوا
يشدون الفتيل إلى الفتيل.
إذا ركعت لعاصفة غصون
يؤدون الصلاة إلى النخيل.
يلوح لهم “حسين” بكربلاء
إذا عطشت ضفاف للسيول.
إذا انطفأوا على الصحراء نادى
بهم “موسى” إلى طور المثول.
قد استغنوا إذا أغوى طعام
بعهد الخبز عن هبة البخيل.
وما أغواهم الشلال يوما
وقد أخذوا بعادات الوعول.
هم الأغماد تحضن كل نصل
ولم تفطن لخائنة النصول.
لهم لغة تسيل بلا نظام
ترتبها قواميس الهطول
لهم ليل بنكهة شهرزاد
حكايا يرشفون من الفضول.
إذا سحقوا على الطرقات قاموا
كبغداد تشكل في المغول.
ليربك كل ميدان سباقا
ويكسر فيه إيقاع الخيول.
ويبدو صفوهم في كل ماء
أمَا مرّوا على صيغ الوحول؟
تقول نبوءة الغجري: سيروا
ولا تأسوا على دمع السبيل.
هي الأوطان موحشة لهذا
تراهم يأنسون إلى الرحيل.
وقد رسموا الطريق إلى المنافي
وألغوا منه خارطة القفول.
وأحذية الطريق تضيق عنهم
كأمكنة تضيق عن الطلول.
وألقوا نجمة في موج ليل
يمرنها على طقس الأفول.
تواروا حينما انكسروا كورد
يداري موته باسم الذبول.
يظللهم غموض مثل شعر
حداثي الملامح والميول.
ستقنع راية حربا عنيدا
لتعتذر الجراح إلى القتيل.
ليرتفع الصدى في كل صوت
وترتد الفروع إلى الأصول.
ولكن يخسر “الخيام” كأسا
إذا سكرتْ على وعد الشمول.