منى عبد الرحيم- كاتبة
#السودان
الأحوال سيئة في الخرطوم، ازداد عدد الوافدين وترتب عليه إسكان أكثر من ثلاثة أسر داخل الفصل الواحد اكتظ المكان.
مرض البخيت وانتحب وفحصته الكجورية، هي من الوافدين الجدد تمت إضافتها إلى فصل خالتو فوزية، لم ترحب بها خالتو فوزية في البدء، حيث كانت فوزية غريبة الأطوار لاتمتلك أي اجتماعيات داخل معسكر الإيواء هي وبنتها منغلقون على أنفسهم ويخالفون الجميع في أي شيء، الجميع يحسب لها ألف حساب ولكن شريكتها الجديدة في السكن جعلت منها أم وديعة تسرد القصص لأطفالها.
نتيجة فحص البخيت كانت خطيرة ينتظرها الجميع.
حضرت الكجورية ثلاثة مباخر ووضعت أعشاب مختلفة على كل مبخر أمام رأسه، والآخر في وسطه والثالث مقابل رجليه، وخرجت من صمتها فجأة وهي تهز رأسها (الولد دا في زول مص دمو) كانت مشاعرنا بين الخوف والرهبة وعدم التصديق.
بعد الكجورية تغيرت المدرسة وساد جو من الشعوذة.
في مرة وأنا أتجاذب الحديث مع ابتسام – لم أعرفكم على ابتسام-
سكنت مع إحدى معارفها ودبت بينهم شجارات سببها مشاكل الأطفال فانتقلت إلى المعسكر .
شعور الملكية شعور مطمئن
في المعسكر تشعر أن المكان ملكك، لستَ ضيف عند أحد ولا تضايق أحدا ولايضايقك.
أتت الكجورية التي لم أسأل من اسمها حتى الآن، الجميع يناديها بالكجورية، مازحتني وهي تضغط على كتفي وانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، حتى سمعت والدتي ولحقت بي وتلت على كتفي آيات من القرآن لتحصن كتفي من لمسة الكجورية.
منذ مرض البخيت تدهور المطبخ كان هو من يقوم بالطبخ يرافقه خالد وصلاح حتى اضطر المشرف إلى وضع جدول وقسم برنامج إعداد الطعام على النساء.
جدول أسبوعي كل يوم علي اثنتين
كنت أول المعترضين على فكرة المطبخ الموحد للمعسكر خصوصاً إن كن يديرنه النساء.
وحينها وضحت للمشرف إذا كنت متزوج باثنتين ولم تفصل بينهما في المطبخ فأنت الملوم فما بالك بمجموعة من أوساط مختلفة وثقافات متعددة.
وبعد مفاوضات ونقاشات طويلة
التزم مجموعة الشباب في المعسكر ببرنامج الطبخ، سارت الأمور على نحو جيد.
حتى مرض البخيت ومن بعده خالد إثر وباء ضرب الولاية ومع لسعات البعوض وسوء التغذية، كانوا فريسة سهلة لحمى الضنك.
أربعة فصول متلاصقة يتوسطها مكتب والصف المقابل تلاثة فصول يتوسطها مكتب أيضا،
وفصلين من الناحية الغربية يتوسطهم المطبخ ومظلة عند الركن الجنوبي لصف الأربعة فصول وبوابة شرقية وأخرى غربية وفي الركن عند الباب الشرقي منزل الغفير وأربعة حمامات هذا كل شى عن المكان.
صلاح والد السبعة أطفال وزوجته وابن طليقته يسكنون في أول فصل في الصف المقابل لصفوفنا.
سمعتها في مرة دون قصد استراق السمع تبكي، ورفضت تناول الطعام المكرر أرز عدس فاصوليا أنبتها والدتها، حز هذا في نفسيتي جداً وانتظرتها حتى سكتت طرقت باب فصلهم واستأذنت والدتها في اصطحابها معي لمشوار ليس بالبعيد فرحت أفراح ذات التسعة أعوام بفكرة المشوار.
تمشينا في الشارع حتى وصلنا مكان الساندوتشات فاشتريت ساندوتشين من الأقاشي واشتريت لبقية أخواتها وأيضا مياه غازية كانت تقضمه في الشارع، مضربة السيدة الصغيرة عن الطعام لا أعلم منذ متى لذلك لم تستطع الصبر ودعتني لتناوله معها نفذ المال سوى القليل المتبقى منه كان المبلغ أرسلته لي صديقة مهاجرة يعينني على حياتي الجديدة وخصصت جزءاً منه لإصلاح شاشة هاتفي كنت أصرف منه على مدى أسبوع والباقي كان من نصيب فروحة، لم أفرح عند استلامه بقدر فرحتي عندما منحته إذن المنح أفضل من الأخذ.
أعجبتني وهي تطالب بأبسط حقوقها في الحياة.
مهما كنت غليظ القلب لاتستطيع أن تنفق مالاً على إصلاح هاتفك طالما تششقات الشاشة تسمح لك بالتواصل يعد هذا شيئا ترفيهيا، وأنت تسمع صرخات الأطفال يرفضون طعام المعسكر.
أو يرمقون بائع الايسكريم وهو يطلق صافرة اعتدنها منذ الصغر
تترتب الأولويات حسب ظروف الواقع.