منى عبد الرحيم- كاتبة
#السودان
حنان شديدة السمرة ممتلئة الجسم، قصيرة القامة، شخصيتها غامضة، أم لأطفال، منتجة تصنع المعجنات وتبيعها توزعها في المحال التجارية يتشاركَون السكن مع خالتها وأولادها وأولاد خالتها عائلتهم كبيرة، شباب وأطفال، لم يزوروا أي أحد في فصله، ماعدا مرة نادرة تلاقت مع خالتها في فصل عمو أمير.
يترفهن فقط في المظلة حيث تصنع القهوة هناك، وهو مكان للتجمع إذا اشتد الحر.
يتجاذبون الأحاديث، والأحاديث كلها تدور حول الحرب وأوان العودة. يطمئنون أنفسهم، وما إن يهذي أحد الجنرلات، حتي يحتفل الجميع في المظلة وتطلق الزغاريد ويتعانقون ويتبادلون أرقام الهواتف حتى يتزاوروا حين العودة، لم أخرج يوما للاحتفال الزائف نادتني إحداهن من على الشباك (يابت أنتِ لي مابتطلعي تحتفلي مع الناس قلتا ليها بحتفل في الخرطوم، لوت شفاهها -دي حركات الشيوعيين- مابصدقو كلام الجيش.
لم أتفاعل معها وقفت لثواني حتى تسمع رأيي فيما قالت بتجاهل متعمد رجعت مواصلة ترتيب الفصل استغليت فرصة خروجهم للاحتفال لتنظيف المكان وإعادة ترتيبه.
الساكنة الجديدة تم الحاقها لفصل ندى، أطفالها ستة، نحيفة ذات بشرة فاتحة، زوجها نحيف أيضا ذو شاربين كبيرين عيناها غائرتان شكله نمطي لمناطق معينة في بلادي،
طيبا حين يبتسم عند السلام مصاب برجفه ملحوظة في أطرافه،
أرجعت زوجته الرجفة إلى الإرهاق الشديد في أسبوع كامل من الترحال وقلة الأكل، وجبة واحدة في اليوم حتى الوجبة الواحدة كانت مشاركته فيها ضعيفه كان مهموما بمصير العائلة،
وما إن سمعن هذا الكلام حتى صنعت له مديدة من دقيق الذرة وبليلة.
النازح القديم في دور الايواء أفضل من النازح الجديد تعود على أسلوب حياة جديد وشيء من الاستقرار القلق.
أصبت بحمى الضنك وعانيت لمدة أكثر من ثلاثة أسابيع،
لم أكن أعلم أني نائمة أم صاحية،
عاندت كثيرا وفي النهاية تم حملي للمستشفى في حالة هبوط تام لم توقظني حتى وخزات الإبر وأصبت بالأنيميا
لم تكن رحلة التشافي سهلة بكل المقاييس ولكني بحمد الله عدت أدراجي شيئا فشيئا.
دوما تداهمنا الأشياء السيئة بسهولة، ولكن التشافي منها وأثرها ينتهي ببطء.
الأخبار السيئة لم تتركنا في حالنا فلان أصيب فلان رحل عن الفانية، المنزل أصابته دانة.
اشتقت إلى حارتنا جدا لكل تفاصيلها، بعض الجيران لم ينزحوا، وكان القصف معظم أثناء اليوم، ومع ذلك فضلو أن يتلقوا أقدراهم هناك، ونحن نتلقى أقدارنا هنا في خضم النزوح
حتى تلك التفاصيل التي لم أحبها اشتقت إليها، اشتقت إلى النساء الفضوليات اللائي ينظرن إلي من بعيد وأنا عائدة.
واشتقت إلى كسترا المختل.
عند الرابعة إلا ثلث أصبح الجو غائم والأجواء تنبىء عن أمطار توشك أن تهطل أو ربما هطلت في مكان قريب تفسد علينا أطياف المفقودين جمال اللحظة.
هل غيبكم الموت أم أنتم أحياء في الغياب صديقتي هل أخذ الموت جمال روحك هل تآكل جسدك النحيل في مكان ما أم اختطفك أحد المسلحين، لن أنسى ماحييت نبرة صوتك وأنت توصيني على نفسي.
الآن أحب أن أوصيك.
إن كنت ميتة لا أحب أن تكوني ميتة، ولكن أسألك إن كنت هكذا هل في الموت راحة؟
هل الحياة أفضل من الموت على كل حال؟
أنا لم أعد تلك التي تعرفينها تغيرت كثيرا.
لم تصدقي إن قلت لكِ مر ثعبان بجانبي لم أعره أي اهتمام، هل تصدقي.. لم أخف، حدث هذا قبل شهر تقريبا وهناك أحداث وتفاصيل كثيرة لا أستطيع مشاركتها مع أحد فاتجاهلها كأنها لاتعنيني وفي باطن الأمر هي تعنيني أعلم أنك إن قرأت هذا ستضحكين قائلة أنت لم تتغيري حقيقة الأمر لا أدري هل هو ثعبان حقيقي أم أن الرياح توشوش في الحشائش.
لم أخبرك أيضا أنه قد انتهت مخاوفي بوفاة والدي، لم أخبرك كذلك بوفاة أمجد هل تذكرينه، لا أصدقك إن قلت عكس هذا أم أنتم هناك في مكان واحد؟
أمجد أيضا لم تتأكد خبر وفاته ولكنه بعيد في الغياب.
ربا فقدت ذراعها الأيمن كانت يوم الجمعة الماضية أرسلت لي مقطع صوتي على واتساب أخبرتني أنها لاتستطيع الكتابة مجددا طمأنتها بانه يمكنها تركيب طرف صناعي ومواصلة حياتها كنت حزينة لأجلها وحاولت تمالك نفسي لا أعلم هل فلحت، أم صوتي كان مهزوزا ومتحشرج وحزين لا أعلم،
رأيتهم في صورة وضعوها في حالة واتساب من أرض اللجوء كانو عبارة عن هياكل عظمية مبتسمه تأكدت أنهم هم، من مراجعة أرقامهم اااه ياسارا
لا أملك أخبارا إيجابية أخبرك بها.