منى عبد الرحيم- كاتبة
السودان
غائبونا لن يعودوا، بل ينتظروننا هناك لنلحق بهم.
في ديسمبر نرخي قبضتنا قليلا متهيئون لإمضاء عقد حياة جديدة مجهولة التفاصيل.
في وداع مهيب نتجول في شوارع المدينة الفارغة نسترجع الذكريات، كان هنا أناساً وأفراحاً وحيوية، عمال كادحون ونساء يبعن الشاي والقهوة يحضرن الألعاب لأطفالهن لمثل هذه النهايات.
كانت مظاهر الاحتفالات التي
كنت أنتقدها، حتى تلك الأشياء التى كنت أنتقدها اليوم أفتقدها.
أين الشموع أين الألعاب النارية أين الكعك؟ أين الرفاق ومظاهر الحياة بل أين أنا والمفقودين أحياء وأمواتاً….
أين السفينة والغلام الذي أرهقه الحكام طغيانا وكفرا؟
وأين الجدار؟
كيف نصبر على مانحط به خبرا…
لم نفعل مايستحق كل هذا
كنا فقط منغمسون في حياتنا حالمون آملون كادحون.
أرى الأمل الزائف في المحلات،
قيل: يستطيع الإنسان أن يصنع سعادته.
كيف تصنع في بلدان كهذه..
صنع هذا الشاب سعادته في صالون للحلاقة وأرى سعادته مهشمة كأثاث الصالون، المقصات على الأرض، وبعض المستحضرات وعليها الأصباغ، أيضا لم تبقى غير تلك المرآة معلقة على الجدار وورقة ملصقة، مكتوب عليها الأسعار وبعض الصور لأشكال حلاقات الشعر ….
وكشك صغير فيه بعض الأشياء ملقاة على الأرض، مقلمة أظافر ومنديل قماش مثبت بحجر عليه بعض أرقام الهواتف؟
بقالات كوافير صيدليات وقائمة طويلة محلات مهشمة أين أصحابها، هل ارتقو شهداء أو ضحايا أم أنهم مهشمون على أرض أخرى؟
احتفالى هذا العام أو وداعي له أو استقبالي للعام الجديد، لا تعني المسميات شيئا، كان مختلفا مضطربا مخيفا.
التجول في مدينة هجرها أهلها
فارغه من كل شيء.
لايصادفك فيها إلا مخاض أحلام وذكريات على كل بقعة فيها.
التجول مخاطره كبيرة…تحتاج فيها الى السلوان .
هنا كل شيء على المحك مستقبل هذه المدينة مرهون على أغبياء.
تحسست مقابض قلبي وعقلي وجدت العقل على مايرام مؤمن بالقدر.
أما القلب متأرجح كلما مرت عليه ذكرى أمجاد المدينة.
لا أمنيات لهذا العام سوى أن تعود الحياة لطبيعتها.
وماهي حياتنا إلا تلك الأيام مابين ديسمبر ويناير.
فرفقا ديسمبر ومرحى يناير.