س- حدثنا عن بداياتك مع التعليم العربي.
ج-بدايتي مع التعليم العربي كان اختيار غالبية أبناء المسلمين آنذاك، الحريصين على تعلّم مبادئ الإسلام، و أحكام الشريعة الإسلامية.
وأبي – رحمه الله – كان حريصاً على تعليم أولاده تعليما إسلاميا، وكنت الطفل الأخير لعصبة أخوية مكونة من خمسة بنين و بنتين، مارسنا التعليم العربي منذ سنواتنا الأولى، إلا أن أختا لي، لم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة العربية، لاشتغالها آنذاك بعون الأم في شؤون البيت.
وزاد على حرص أبي الشديد بتأديب أولاده تأديبا دينيّا، و كان من أتباع المذهب الصوفي الشهير ( التجانية) وهي مذهب ديني منتشر في غرب أفريقيا، و أبي أخذ الطريقة – كما يقولون- و لازم أورادها ،حتى يوم وفاته، رحمه الله.
والذي لم يكن عادياً بالنسبة لبدايتي في التعليم العربي، هو بكورة التحاقي بالمدرسة، حيث ولجت أبوابها و أنا ابن خمس فقط، والسبب يعود إلى أنني كنت أرافق أختي الكبرى ( آمنة) إلى المدرسة كل يوم بالتزام شديد، هذا الذي رآه المعلم (الكبير) عبد الرحمن – وهكذا كان يلقب، ويدعى لدى كل التلاميذ – لعل السبب يعود إلى عمره الطويل و تجربته الطويلة في مجال التدريس؛ لأنه درّس و بكفاءة كلّ إخواني وأخواتي منذ الأول حتى أنا الأخير، وللمعرفة، ما زال هذا المعلم يدرّس حتى الآن، أطال الله بقائه و نفع به الأمة.
والمدرسة التي التحقت بها كان حتما علي الالتحاق بها دون غيرها، حيث هي المدرسة الأهلية و الأسرية لأن مؤسسها هو أحد أعمامي.
والمدرسة هي( المدرسة العصرية والسنية)، وتلك المدرسة لم تكن لها من العصرية إلا اسمها و أسلوبها الدراسي، لأن المدرسة كانت مبنية من أخشاب مرقعة، قديمة كقدم تاريخ تأسيسها حيث يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، وكان لها من القدم حتى كان يبللنا المطر عند كل هطول، لأجل وضع سقفها السيئ، والمدرسة مكونة من ثلاث قاعات لستة فصول، لأن كل قاعة تتضمن فصلين للمرحلة الابتدائية.
لكن التكوين الدراسي كان له مستوى عال جدا، لأن المعلم الكبير كان له من الكفاءة ما يفوق كثيرا من أصحابه المدرسين، لطول تجربته في مجال التدريس.
وكان يعينه في تدريس الأولاد طلاب آخرون تخرجوا في المرحلة الثانوية. وقد درسني أخي الكبير ( عبد الحميد) بعد تخرجه من الثانوية. هكذا درست من الابتدائية حتى الأول المتوسط، فانتقلت إلى مدرسة أخرى تسمى ( السلف الصالح) وهي مدرسة عصرية ذات بناء قصري، كان يدرّس هناك متخرجون من الدول العربية، و أغلبهم من المملكة العربية السعودية، فتلقيت بقية تعليمي هناك حتى تحصلت على الشهادة الثانوية أخيرا.
س- تدرس الآن في جامعة أفريقيا الإسلامية، قدم لنا تعريفاً موجزاً عن هذه الجامعة.
ج- فعلا أتلقى في جامعة أفريقيا الإسلامية، تعليما جامعيا مناسبا للشهادة الثانوية التي حصلت عليها.
لأن الدراسات العربية في ساحل العاج غير معترفة لدى وزارة التعليم والثقافة، فلا يمكن لنا الاتلحاق بجامعات حكومية أو خصوصية باللغة الفرنسية، ولا محاولة التوظيف بعد الدراسة.
فهذه الجامعة جاءت كحلّ مناسب للعرقلة الموجودة أمام الطلاب الدارسين بالعربية في ساحل العاج. فتعرض علينا دراسات في ثلاثة تخصصات، وهي ( الشريعة والقانون ) – والتي أنا بصددها-( واللغة العربية و آدابها ) ( والإمامة والإرشاد).
فالمتخرج من إحدى هذه الكليات الثلاث يمكن له اختيار أحد الطريقين المحتمين على طلاب العربية في ساحل العاج، وهما ( الإمامة والدعوة) أو ( التدريس في المدارس العربية) ….أما أنا فليس لي شوق في كلا هذين الطريقين.
س- هناك فئة قليلة في ساحل العاج تتحدث اللغة العربية واكتسبت خلفية ثقافية، ما هي العوامل والمؤسسات التي أوصلتكم بالثقافة العربية؟
ج- اللغة العربية والثقافة العربية تياران جاء بهما الإسلام إلى بقاع ساحل العاج، وكذلك أغلب بلاد افريقيا الغربية.
حاجة أجدادنا في تعلم العربية كان لها غرض وحيد وفريد فقط هو فهم الإسلام والإحاطة بأحكام الشريعة الإسلامية، فأسست على إثر ذلك مجالس و كتاتيب لدى شيوخ القرى والمدن لتعليم الأطفال اللغة العربية وعلومها، ثم أحكام الشريعة الإسلامية.
فكان يدرس في هذه المجالس كتب مثل ( بردة المديح للإمام البوصيري) و ( مقصورة ابن دريد) و ( مقامات الحريري) مشروحة باللغة المحلية و هي ( البمبرا أو الجولى)، ما كان يرسخ في أذهان الأطفال المفردات العربية التي تمكنهم من فهم كتب الفقه الإسلامي (كالأخضري) (والثمر الداني في
شرح الرسالة) (وجواهر الإكليل)،
في منتصف القرن الماضي فتحت معاهد و مدارس عربية، التي تضمن للطلاب الدارسين بالعربية دراسات أكاديمية مع أساليب عصرية فشهدت إقبالاً وافراً من الطلاب والتلاميذ حيث أحب الآباء هذه الفكرة فشاركوها بإرسال أبنائهم إلى هذه المدارس، وكان على رأس هذه المدارس (دار الحديث) في بواكي التي أسسها الشيخ العارف بالله (الحاج موري موسى كمارا) رحمه الله.
فتابعت إثر ذلك مدارس و معاهد و مؤسسات عربية-فرنسية المسماة( فرنكوعرب) التي تخلط بين الدراسات العربية و الإسلامية، والدراسات الفرنسية الحكومية،
بعون من الدول العربية بالمملكة العربية السعودية وهي كثيرة جدا الآن، ولا تكاد تحصى في هذا الزمن وفي كل مدن ساحل العاج.
س- ما هي أبرز الانتاجات الأدبية والفكرية من بلادكم، التي تستحضرها الآن؟
الانتاجات الفكرية كثيرة، والإصدارت الأدبية عديدة، بالفرنسية ممكن أذكر (دائرة الأيام) للشاعر برنارد داديي، أو (نزوات إيبنوتو) للروائي الكبير (أحمد كوني) و (شموس الاستقلالات) للروائي (أحمد كوروما).
لكن ما منها بالعربية نادرة إلى حد اللاوجود، هذا واحد من المواضع السلبية في المتعلمين للغة العربية في ساحل العاج، عدم الانتاج الفكري و عدم الإبداع الأدبي.
والسبب في ذلك بسيط للغاية وهي عدم إلمام مثقفي العربية في ساحل العاج بالتخصصات الأدبية، والكليات غير الشرعية، والسبب في ذلك أيضا شغف أكثرهم بمجال الدعوة والإمامة بعد العودة إلى الوطن.
لكن الأغرب في الأمر، هو أنه في السنوات الأخيرة وجدت فئة قليلة من الدارسين للعربية من اتجهوا إلى تخصصات مثل الأدب والتربية والفلسفة، لكنهم أيضا لم يخلفوا ولو دراسات أدبية أو نقد فكري لمشاكل المجتمع العاجي، مع أن عدد الدكاترة في اللغة العربية تزيد على المئة ونيف.
اللهم إلا الدكتور آدم بامبا حفظه، الذي لم يقصر في جهوده بنشر دراسات أدبية واجتماعية مبعثرة في أنحاء الانترنت، ممكن الحصول عليها بسهولة ويسر، فالدكتور نشر مقالا و دراسات أدبية و ألف عدة كتب منها ( أسماء القرآن الكريم و أسماء القرآن الكريم وأسماء سوره و آياته) و (الإسلام في أدب غرب أفريقيا) و (النزاعات الأهلية في أفريقيا) وهي صعب الحصول، وغير متوفرة في أبديجان حيث نشرت في دول عربية بعيدة جغرافياً عن ساحل العاج.
والله ما أبدع الدكتور في تحليلاته و ما أدق نقده في المواضيع، فقد اطلعت على عدة مقالات له، ففي كل المرات أُبهرت بتمكنه و ملكته الفائقة في تناول الموضوعات.
و في الآونة الأخيرة حاول الدكتور سيسي عبد الله( رحمه الله ) أن ينتهج سبيل الدكتور آدم بامبا، فألف في تاريخ علماء غرب أفريقيا كتابا قيما سماه( حركات الإصلاح والتجديد في غرب أفريقيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) وهو كتاب موسوعي تناول فيه سيرة حياة أعلام الإسلام في غرب أفريقيا ك ( الإمام ساموري توري) والشيخ المجاهد ( العلامة عثمان بن فوديو الفلاني).
ولا أنسى هنا جهود الدكتور سيسي أحاندو، الذي نشر في عدة مجلات محكمة مقالات في التربية ومهارات التواصل.
وقد قام بعض الشباب في الآونة الأخيرة بالإلمام بالأدب نثرا وشعرا ويبدعون بمقالات و قصائد، على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأس هؤلاء الشباب – وإن لم يكن كثير الحركة في المواقع -الأستاذ ( تراوري مَمَدو) الذي يدرس الدراسات العليا في المملكة العربية السعودية. فقد أبدع هذا الشاب وله عدة روايات في طريقها إلى النشر إن شاء الله، ننتظر منه في وقت قريب روايات جميلة و إبداعات رائعة.
س- هل حظيت ساحل العاج باستضافة شخصيات فكرية وثقافية عربية؟
ج-ساحل العاج على حد معرفتي بضيوفها، لا تفضل الشخصيات الثقافية ولو كانت فرنسية نظرا إلى اللغة الرسمية للبلاد، فأكثر ضيوفها مغنون و مطربون و شخصيات اللهو والمجون.
فالناس في المجتمع يلمّون أكثر بالألاعيب و الملهيات أكثر من الثقافة والفنون الأدبية.
لكن حصل هناك تغييرات جذرية في السنوات الأخيرة، وهي التنظيم السنوي- ( الصالون الدولي للكتاب في أبديجان) الذي يشارك فيه الكتّاب العاجيون بمؤلفاتهم و رواياتهم، ويشارك كذلك كتّاب أفارقة ولو لم يكونوا من ساحل العاج، والصالون بالفرنسية طبعا.
س- من هم الكتّاب الذين أثروا على بناء خلفيتك الثقافية؟
ج- من الكتاب باللغة العربية ممكن أذكر الأديب سنغاري دريسا، وهو شاب عاجي مشغوف بالأدب تحصل على الليسانس في النيجر، أراد مواصلة دراساته في السوربون في باريس، لكنه توفي في حادث مروري توفي على إثره ( رحمه الله) ،
فهذا الشاب الذي توفي قبل أن يتم نصف عقده الثالث، أثّر فيّ أيّما تأثير، قد خلّف قصتين قصيرتين( رحلة في القافلة) يذكر فيها حادثة عاشها في سفره إلى النيجر للدراسة، ( والشيخ الجامعي) ينقد فيه الرأي العام في المجتمع الأفريقي المتشدد اتجاه فترة فيروس كورونا.
ثم بالطبع الدكتور طه حسين، و الأستاذ العقاد و نجيب محفوظ.
بالفرنسية، هناك الأستاذ( أمادو حمباتي باه) والشاعر ( ليبولد سيدار سنغور) و ( إيمي سيسر).
س- ما هي الإسهامات التي تود إضافتها في الساحة الثقافية في ساحل العاج؟
ج-ما أود إضافتها في الساحة الثقافية في ساحل العاج، هو أولا إسهامي في مجال الإنتاج الفكري، فهو ضئيل جدا في وقتنا الحاضر.
أود كذلك المشاركة في مجال ترجمة بعض الأعمال الأدبية.
هناك أعمال أدبية قيمة ألفها أدباء أفارقة باللغة الفرنسية، أود أن يطلع عليها جمهور القراء باللغة العربية، منهم الأديب الكبير( أحمد كوني) و ( أحمد كوروما) والكاتب المالي ( أمادو حمباتي باه).
س- بعد تغلب مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار المحتوى السطحي، كيف برأيك يعود الشباب إلى المحتوى الجاد والمفيد؟
ج- لا يمكن لأحد إنكار التأثير الذي تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا التأثير قد يكون إيجابياً و قد يكون سلبياً، لكن مع الأسف الشديد التأثير السلبي أرفع بكثير في المجتمع الإيفواري خاصة في صفوف الشباب.
ليعود الشباب إلى المحتوى الجاد والمفيد، لا بد من دعم حكومي للرواد النشطاء على صفحات الانترنت دعما صحفيا يمكن لهم نشر منشوراتهم الثقافية في صفوف الشباب والمواطنين، ليتعرف عليهم الناس
وكذلك من مديري المؤسسات التعليمية والمدارس لا بد لهم من تشجيع الشباب على متابعة المبدعين وقراءة إنتاجهم و تشجيعهم كذلك على الإبداع والابتكار هم بدورهم.
أشكر القائمين على هذه الصفحه المتميزة ، قرأت بعض النصوص التي نشرت ، صراحة هي مفيدة للغاية