إن استطاعوا النوم ليلاً مع تنفسِ كل صباح، يستيقظون من أحلامِهم إلى واقعهِم بعد أن أدركوا حقاًّ أن هذا هو الواقع وليس ذلك الحلم الذي يراودهم من حين لآخر، ذلك الحلم الذي لطالما أدخل السرور في نفوسِهم. الواحد منهم ينهض من على فراشه بخُطاً متثاقلة، يُلقي نظرةً حوله فإذا هو داخل خيمة أو ربما في وسطِ دمار. بعد ما ينطفئُ شمعة أحلامِه ينهض، ولم يكن لينهض بإرادته، كان يُفضل الاستمرار في حلمه الجميل بدلاً من النهوض. بل إن حواسه وعقله اللاوعي يقودانه إلى روتينه الصباحي المعتاد. بعدما تجهز وكان على استعداد لاستقبال يومه بأمل ورضاً بما يحمله القدر وراجياً من الله لطفه.
يبدأ يومه باستنشاق الهواء المختلط بـ CO2 والسموم الناتجة من الانفجارات المعتادة. يخرج من داره أو مكانه الذي بات فيه ثم يسير بخطىً ثابتة، يسير وكأنه لا بأس به. يخرج إلى العالم بكل شموخه، كذلك الجبل الراسخ الذي يصمد أمام الرياح العاتية يتحداها رغم ما هو عليه. ولكن إلى أين يذهبون في كل مرة صباحاً؟ غالباً ما يتجهون إلى طابور دور الطعام أو الحصول على مياه صالحة للشرب أو ربما تفقد الجرحى والمصابين أو ربما التعرف على جثث الأموات وقد يكون من بينهم أغلى إنسانٍ لهم على وجه الأرض. وهكذا في الغالب.
وأحياناً على حين غفلةٍ يسمعون صوتاً لطالما سمعوه عدة مراتٍ، إنه صوت انفجار… قذيفة أخرى، حسبنا الله. إنه العدو مجدداً، جبانٌ كعادته يعتدي على الضعفاء، يقذف الأبرياء ولا يستطيع المواجهة. ثم يلتفتوا ليروا الواقعة… يلتفتون والإحتمالات تتلاطم كالأمواج في ذهنهِم، فإذا بهم يرون منازلهم قد انهدمت. أهلهِم، إنا لله وإنا إليه راجعون، لم يتبقَ شيء. في لحظة فقط بين ضياع أحلامهم يضيع واقعهم ويتلاشى أمام ناظرهم.
وإن قاموا بالدفاع عن أنفسهم وأرادوا استرجاع أرضهم بتحرير المسجد الأقصى، حينها يُقال بأنهم إرهابيون وممارسو العنف ضد الإنسانية!! أرأيت وسمعت عن ظلماً كهذا؟ أصبحوا في خيمة أو كوخٍ حقير بعد أن كانوا في عالي القصور، وأصبح يقال لهم اللاجئين ولقبهم صار شعب النازحين. أما الجوع والتشريد مع الحرمان بات كابوساً أنساهم المنام وما قرب إليها. ولكن…
رغم كل ذلك، رغم كل ما أصابهم وما حل بهم من ظلمٍ وظلمٍ وظلمٍ، تجدهم قد سلموا أمرهم لله ويتلاشى كل تلك الأحداث أمام قوة الإيمان كرمادٍ اشتدت به الريح. تراهم في صفوف المجاهدين متراصين كالبنيان المرصوص يحمون _المسجد الأقصى_ ويدافعون عنه بكل عزمٍ وثبات. صابرون، نعمٓ الصبر، بل هنا الصبر بحد ذاته، هنا الصمود، هنا القوة… قوة امتزجت مع فطرة الإسلام، قوة لا مثيل لها.
ومعلوم أن تلك الدويلة التي تدعى إسرائيل لم يكن بإمكانِها القيام بأي فعلٍ وذلك لخوفها من قوة أبطالنا وعزيمتهم. بل هي لا تستطيع مواجهة جنديٌ واحد، واتضح ذلك في 7 أكتوبر _طوفان الأقصى_ وسبق هذا بطولات عديدة. لذا هناك أيادي معونة تُقدم لها من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا… وغيرهم. ولكن رغم اتحادهم وتكابدهم مع بعضهم، جبنوا على المواجهة، لذا تراهم يعتدون على الأبرياء وتارة يختصبون النساء… ولكن أبداً لم يقدروا على المواجهة. إذاً هكذا الفرق بيننا.
فماذا لو تم مساندة فلسطين من قِبل إخوانه بطريقة مباشرة… ماذا لو قرر المسلمون تحرير الأقصى؟ ولك أن تتخيل، في لحظة فقط بين عشية وضحاها سينتهي الأمر كله ويستقيم الميزان وستعود الأمور إلى حقيقتها الثابتة ويتسارع المسلمون من كل فجٍ لزيارة المسجد الأقصى والصلاة بين ربوعها. وستعود لـفلسطين وشعبها بريق ضوئها المتلألئ، ويا لجمال منظرها ويا لروعة تلك اللحظات المنتظرة.
عن فلسطين أحدثكم، عن المسجد الأقصى، عن ثالث الحرمين وأولى القبلتين… عن مهبط الأنبياء والرسالة أحدثكم يا سادة.