فورتونا، إلهة الحظ والخصب عند الإغريق، كانت تمثل جوهر التقلبات التي تحكم مصير الإنسان، رمزاً للحظ والطبيعة البشرية التي تنحني أمام رياح القدر، ولكنها في الوقت ذاته تعكس مرونة لا متناهية، كما لو أنها ماء ينساب في الأوعية المختلفة، يأخذ شكلها دون أن يفقد جوهره.
ومع ذلك، عندما تتحول من الهدوء إلى الهيجان، تصبح قوة طاغية تجرف كل ما يعترض طريقها، وتترك خلفها أثراً لا يُمحى قبل أن تتلاشى في الأفق البعيد.
في سياق علم النفس الإسلامي، نجد أن هذه الفكرة تتجلى بعمق في مفهوم النفس البشرية، التي وصفها القرآن بأنها “أمارة بالسوء” حين تستسلم لرغباتها وشهواتها، لكنها ترتقي إلى “لوامة” عندما تحاسب ذاتها، وتصل في أسمى حالاتها إلى “مطمئنة”، حيث تسكن في رضا خالص وطمأنينة.
النفس هنا تشبه الماء في فلسفة الصينيين، الذين يرون فيه رمزاً للمرونة والقوة معاً، فهو ينساب حول العوائق لكنه قادر على نحت الصخر بمرور الزمن.
وفي الأدب الروسي، نجد صدى لهذا التصور في أعمال دوستويفسكي، التي تصف النفس البشرية ككيان متصارع بين النور والظلام، بين الفضيلة والخطيئة، تتأرجح بين ضعفها وقوتها، ولكنها تحمل في داخلها إمكانية الفداء والتحول.
النفس، إذن، كالماء في كل هذه الثقافات، تتشكل وفق محيطها وظروفها، لكنها تحمل جوهرها الخاص الذي لا يتغير، وتتحرك بين الانسجام والاضطراب، بين القبول والثورة، وبين الرحمة والغضب.
بقلم/ ابتهال أزهري