#لقاءات_نصوص
(سعيد أبكر أحمد)
-من هو الفرزدق سعيد أبكر أحمد؟
بدايةً.. أشكر لكم هذه الاستضافة الكريمة، وإنني من عشاق مدونات نصوص، واستمتع باللقاءات التي تقدمونها عبر صفحتكم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأتمنى لكم التوفيق والسداد.
سعيد.. شاب تشادي ولد في جدّة عام ١٩٩٤ يحبُ الثقافة ويهوى المعرفة، ويعشق القراءة، درستُ في المملكة العربية السعودية المرحلة الابتدائية، وأتممتُ المتوسطة والثانوية في انجمينا، والتحقت بجامعة الملك فيصل وتخرجت في المعهد الصحي عام ٢٠١٦.
ودرست بعد ذلك في عدة تخصصات ومجالات.
وما زالت روحي تتوق إلى المعرفة والمعرفة والمعرفة.
-سعيد سمك ولُقبت بالفرزدق نسبة إلى الشاعر الأموي..هل لك نصيب من معاني اسميك؟
الفرزدق اسم خفيف على اللسان والروح، يظن الكثير من الشباب أنه اسمي الحقيقي، ووالدي أحياناً يعاتبني لهذا الاسم ويقول: سميتَ نفسك ياولدي، والحقيقة أنّ الاسم جاء في سياقٍ مختلف عما يعتقده البشر.
كنّا في الصف الثالث الثانوي عام ٢٠١٢ وكانت مدرسة الصداقة السودانية التشادية مسرح القصة، اعتاد الطلبة على قصائدي الشعرية التي كنتُ ألقيها أثناء الاحتفالات المدرسية، وفي حفل نهاية السنة، وبينما كنتُ أهم بالصعود على المسرح، قدّمتني الأخت نعمة عبدالقادر وقالت: القصيدة التالية يقدّمها الفرزدق الصغير: سعيد أبكر أحمد، استعذبتُ الاسمَ، وبدأ الطلبة ينادوني به، ولما دخلتُ جامعة الملك فيصل، تعدّدَ السعداء، فكان سعيد أبو راما وسعيد أحمد حسن وسعيد الفرزدق.
ومن أجل التمييز بيننا اشتهر الاسم، وثبته على حسابي في الفيس بوك.
الشاعر الفرزدق الأصلي كان عظيماً ورائعاً، واشتهر بقصص تنافسه مع جرير بن عطية الخطفي بما يسمى أشعار النقائض، وعلى الرغم من أنّ الناس يلقبوني بالفرزدق فإنني أجدُ في شعر جرير مالم أجده في أي شاعر آخر، وإنني أحبُّ جريراً ولو سموني الفرزدق.
_فرزدق الشاعر والممرض، والإعلامي والكاتب الباحث في مجال التاريخ بين الهواية والموهبة، والمهنة أين تجد نفسك؟
درستُ العلوم الصحية واستمتعت بالسنوات الثلاث التي قضيتها في الجامعة مع خيرة الأصدقاء، وعملتُ في المستشفيات، واشتغلت في إذاعة الهدى – رحمها الله – أيّام الجامعة.
وكان لي شغف بقراءة التاريخ وأنا غلامٌ يافعٌ، وأذكر أنني قرأتُ البداية والنهاية لابن كثير وأنا طالب في الصف الرابع الإعدادي.
تتشكل مواهب الإنسان مع مرور الزمن، والإنسان كائنٌ بإمكانه الإبداع في عدة مجالات، فقد يمتهن أحدنا الطب ويكون أدبياً وشاعراً وباحثاً ولاعبا لكرة القدم.
وفي نهاية المطاف يأخذ كل إنسان ما يستحق وفق الجهد الذي يقوم به.
أجدُ نفسي في كل ما ذكرتِ، فأنا الشاعر عندما يؤرقني الشوق والحنين، والممرض عندما أرى غيري يشتكي الألم والنصب، والإعلامي عندما أجلس بقرب الميكروفون، والباحث عندما يجلس في مكتبته ويقرأ عن المواضيع التي يهتم بها.
أنت عضو أسرة برنامج أسمار وأفكار الذي مضى على انطلاقه عقد من الزمن.. ما الدور المحوري الذي لعبه هذا البرنامج؟
من الأمور التي أحمدُ الله عليها أنه جمعني بأسرة برنامج أسمار وأفكار، كنتُ بالقرب من المحيط الأطلسي عام ٢٠١٧ في مدينة بويا – الكاميرونية، أتصفح اليوتيوب وقع عيني على برنامج أسمار وأفكار، أعحبتُ بالبرنامج، واستغليتُ شهر رمضان في متابعته حلقة تلو الحلقة، ثم قدّر الله لي أن أسافر إلى قطر في أغسطس عام ٢٠١٧ ولم تمض بضعة أسابيع حتى عرفوني على المجلس ورواده، فأصبحتُ من الجلساء والندماء، وأركز على الحضور لاستفيد من الخبرات المتراكمة في مجالات الأدب والسياسة والثقافة، كنتُ أشعر أنني مثقفٌ لكن عندما زرت المجلس لأول مرة خجلتُ من نفسي، وقلتُ لذاتي إيّاك أن تتظاهري بالثقافة مجددا.
قدّم البرنامج أكثر من مائتي حلقة، وهي موسوعة في المواضيع والعناوين، ناقشنا أهم الكتب وأبرز المواضيع المهمة في الساحة من طنجة إلى جاكرتا، يظل البرنامج أحد البرامج الثقافية المتميزة في العالم العربي والإسلاميّ، وبلغت نسبة مشاهدات البرنامج أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدةً، وقد قدّمت حلقتين الأولى عن كتاب تشاد جوهرة في يد فحّام والثاني عن الخلاوي القرآنية في إفريقيا.
_الغربة كلمة قاسية وتجربة صعبة عاشها الكثيرون..والكاتب مرهف الحس يعاني قسوة الاشتياق أكثر من غيره..لوعة الحنين لانجمينا حيث الأهل وأصدقاء الدراسة والأحبة أم لجدة مسقط الرأس ومرتع الطفولة؟
هناك بيتٌ لطيف لمحمود سامي البارودي يقول:
أكلّف النفس صبراً وهي جازعةٌ
والصبر في الحب أعيا كل مشتاق
أشتاق لمراتع الصبا في جدة، وأشتاق لتفاصيل انجمينا، وحارة قنيبور التي سكنتُ فيها وهي صحراء جرداء لا ترى فيها بشراً ولا جنا، أنا أحب تشاد والتشاديين، ذلك ما لا أستطيع أن أتجاوزه يومياً.
أذكر أنني كنتُ مسافرا إلى إسبانيا عام ٢٠٢٣ من مطار القاهرة، رأيتُ في لوحة المسافرين بأنه في البوابة A3 رحلة إلى تشاد.
ذهبتُ إلى هناك؛ لكي أرى التشاديين فقط، لا لشيء آخر، اخترتُ كرسياً على الناصية، وبدأتُ أقلب النظر فيهم، وكأنهم يجسدون أمامي صورة الوطن (حديثهم – لغتهم – ضحكاتهم- استعجالهم – نقاشاتهم) هذه هي جمهورية تشاد.
وذلك قريب من قول الشاعر عبدالماجد محمد حسن:
تالله ما ذكرت التشاد وأهلها
إلا وقلبي نحوهنّ لمائل
الإنسان عبارة عن ذكريات، وتراكم هذه الذكريات هي التي تخلق سيرته وتغذيه بالتجارب والخبرات.
_كيف تتعامل مع الشهرة والتقدير؟
شعاري دائما قوله تعالى: كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم.
أجد نفسي كما هي، ذلك الفتى الذي كان يقطع الطريق ماشيا من قنيبور إلى النهضة النموذجية في قجة شرفة، ذلك الفتى الذي كان يمشي مسافة تفوق ٢٠ كم مع جماعة الدعوة والتبليغ من تمساري إلى موسى كوري ، الذي كان ينام في الإذاعة من الإرهاق والجوع والفلس.
وأردد دائما مقولة ابن عطاء الله السكندري ( من لم تكن له بداية محرقة لن تكون له نهاية مشرقة).
نعوذ بالله من التكلف والمبالغة في تقديس الذات.
_ كباحث في مجال التاريخ ماذا تعني لك فورت لامي حاضرا وتاريخا؟
فورت لامي تعني عاصمة الأحزان والآلام. كل النهايات الحزينة في تشاد كتبت في فورت لامي.
قصة فورت لامي هي الحرب ( قتل الشخص الذي سموا به المدينة عام ١٩٠٠ وظلت من أكثر العواصم الأفريقية تأثراً بالحروب والاقتتال على السلطة ).
-لكل كاتب قضية..ما هي قضيتك الأساسية؟
تعريف العالم بمجتمعنا وثقافتنا وترك الأثر الجميل لمن يأتي بعدنا.
_ما المنهجية التي تعتمدها في البحث ودراسة التاريخ..وهل يقتصر تجميع المادة العلمية على جهدك الفردي؟
البحث والتحليل وربط الأحداث، وإعادة ترتيبها، تكمن مهمتي الأساسية في إعادة ترتيب التاريخ لأنه مشتت، التاريخ مثل المسبحة، لا بد أن يكون مرتبا حتى يفهم، ومن دون ذلك الترتيب لا نستطيع فهم التاريخ وتقديمه بأسلوب مختلف ودقيق.
نحن دولة تملك تراثا عظيما وتاريخاً مجيداً لكننا فرطنا فيه، من خلال عدم الاهتمام بالتراث والتركيز على المناطقية في الكتابة، والخوف من اقتحام مجال الكتابة عن التاريخ خشية النقد، وبذلك تضيع المعرفة، ويصعب علينا تقديم تاريخنا بأسلوبٍ يليق بنا.
وإذا أردنا بناء حاضر جديد فعلينا إعادة بناء تاريخ جديد.
_كم من الوقت والجهد أخذ منك كتابك(نثر الورد والياسمين في تاريخ وأيام التشاديين؟
عملتُ عليه خلال فترة طويلة استمرت خمس سنوات، وأخذ مني جهداً عظيماً، وقد عاتبني مديري في العمل مراراً وتكراراً، لأنني كنتُ أركز على الكتاب أكثر من تركيزي على العمل.
والحمد لله أنني أخرجته إلى الناس وهذا جهد المقل.
_كتابك(تشاد جوهرة في يد فحام ) العنوان مقتبس من المثل اليمني والذي يقصد به أن تعطى الأشياء لمن لا يستحقها..ماذا يعالج هذا الكتاب؟
هو كتاب تعريفي عن تشاد ينقل للقارئ كيف نعيش وما هو تاريخنا وما هي أهم المشاكل التي نعاني منها.
_بغض النظر عن آثار الاستعمار والاستغلال حتى بعد الاستقلال..هل هناك حسنة واحدة نذكرها لفرنسا؟
نعم الحسنة هي البعثة الفرنسية للإصلاح الإداري
أرادت فرنسا مساعدة نظام الرئيس أنقارتا تمبلباي في تجاوز المشاكل العويصة التي مرت بها الحكومة التشادية بعد إندلاع ثورة التحرير الوطنية عام ١٩٦٦، فأرسلت خبيراً فرنسياً في نظام الإصلاح الإداري يدعى بيير لامي.
جاء الخبير الإداري الفرنسي في إبريل ١٩٦٩ ليكفر عن أخطاء فرنسا في تشاد، ربما (تشاد هي أكثر دولة إفريقية عانت من أزمات إدارية متتابعة منذ استقلالها) ، فالسجون مكتظة بالسياسيين والشعب يعيش في معدل فقر هو الأسوأ بين دول وسط إفريقيا والحركات المسلحة منتشرة في الشرق والشمال، وحالة السخط من الشعب في الجنوب تنتشر في الحانات والمجالس الشعبية.
حمل لامي مشروعه الإصلاحي في إبريل عام 1969 وتنقل بين أربع ولايات مهمة (كانم ـ وبوركو إنيدي تبيستي ـ ووداي ـ ولوغون الشرقية والغربية)، ثم عاد مجددا مطلع عام 1970 وزار (البطحاء ومايوكيبي وشاري الأوسط والتانجلي).
وخلص لامي بأنه إذا أرادت الحكومة التشادية تحقيق العدالة فإنه على رئيس الجمهورية القيام بإصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، تبدأ من إعادة العمل بالنظام البرلماني والإفراج عن السجناء السياسيين ،والجلوس في طاولة مع قادة جبهة التحرير الوطنية ( فرولينا ) وإعفاء سكان المناطق الشمالية من الضرائب بسبب الجفاف الذي ضرب المدن الشمالية عام 1967.
أعتقد أنّ الإصلاحات التي رسمها الخبير الإداري بعد زياراته لمناطق الصراع كانت واقعية، وبإمكانها أن تجنب الرئيس تمبلباي تكلفة باهظة وفاتورة طويلة عجز عن سدادها لاحقا
_كتبت كثيرا في الشأن الإقليمي سواء عن تشاد أو السودان ولكن لم تكتب عن القضية المركزية للأمة؟
ذلك لأهمية الشأن السوداني وقوة تأثيره على تشاد، أما القضايا المركزية للأمة فقد عملنا عليها في مجلة ألواح.
_هل هناك موضوعية في الكتابة التاريخية أم لابد أن تؤثر الاعتبارات السياسية على قلم الكاتب أو أن ينحاز لقضية على حساب قضية أخرى لشعب آخر؟
لا بد من الموضوعية لأنها الأساس في كتابة التاريخ .
_ما أهمية التفكير النقدي في التاريخ؟
من خلال التفكير النقدي في التاريخ يمكننا أن نميز الغث من السمين، وأن نعرف حقيقة الأحداث، ومن دون تفكير نقدي سيتم تصديق كل الروايات التاريخية، ولن يكون هناك منهج علمي صحيح لكتابة التاريخ.
_يقال أن التاريخ يكتبه المنتصر..في ظل انتشار المنصات الإعلامية وحرية التعبير هل يحق للمغلوب أو المهمش أن ينقل تاريخه للأجيال القادمة؟
المجتهد هو الذي يكتب التاريخ سواءً أكان مهزوما أو منتصراً.
عندما تجتهد وتأتي بالأدلة والبراهين فإنّ البقاء سيكون للأصلح والأنفع، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
_ما مدى صحة مقولة التاريخ يعيد نفسه..وإن كان صحيحا هل يعيده من خلال الأشخاص أم الأحداث؟
صحيح بأنّ التاريخ يعيد نفسه في سلسلة من الأحداث، وذلك ظاهرٌ بيّن لمن يقرأ التاريخ.
_بماذا تنصح من يريد أن يدخل في مجال التأليف؟
القراءة ثم القراءة ثم القراءة
_هناك نوعان من النقد..نقد بناء يشجع على الاستمرار ونقد تصيد الأخطاء..ما مدى تأثير النقد على كتاباتك؟
ثقافة نتف الريش مهمة جداً في المجتمع التشادي، لأنّ البعض يريد أن يفرض نفسه من دون أدوات معرفية مؤصلة، ومن دون بحث علمي جيد، ومن دون أطروحات فكرية مميزة. ويتطلع في الوصول إلى غايته بسلطان القبيلة والمجتمع، أولئك ما أقصد بعملية النقد وهي ثقافة تحطيم الرؤوس الفارغة حتى ينتهوا عن ذلك.
أما تأثير النقد على كتابتي فإنني في المقابل عظيم الثناء للمشاريع الجيّدة والأفكار الإبداعية والشخصيات التي أنجزت في مجالاتها العلمية والثقافية.
_شخصية تاريخية تتمنى أن تلتقي بها؟
ابن خلدون
_ لمن تقرأ عالميا ومحليا؟ وما آخر كتاب قرأته؟
عالمياً أقرأ للجميع
ومحلياً أسعى لقراءة كل كتاب عن تشاد
وآخر كتاب أقرأه وأنا أرد عن هذه الأسئلة كتاب into Africa للباحث الأميركي ييل ريتشموند وهو كتاب ممتع عن الثقافة الاجتماعية في إفريقيا.
_إلى اليوم ماذا حققت من أمنياتك؟ وماهي أمنياتك المؤجلة؟
لم أحقق شيئاً، لأنني إذا اعتقدت أنني حققت شيئاً، فلن أحقق شيئاً.
قد هيؤوك لأمر لو فطنتَ له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
_كلمة أخيرة؟
المشاريع في تشاد تموت سريعا، أرجو أن تطول حياتكم في مدونة نصوص حتى نقرأ لكم كثيرا كثيراً، أجدد الشكر والتقدير لك يا ملاذ.