فبراير
02
قراءة في رواية التاريخ السري المعلن لآدم حواء للكاتب روزي جدي

قراءة في رواية “التاريخ السري المعلن لآدم حواء” للكاتب التشادي محمد جدي لا شك أن رواية “آدم حواء” هي رواية جريئة كشف فيها الروائي جدي اللثام عن بعض جوانب المجتمع التشادي التي غلفها بدثار العيب، ووضعها فوق رف المسكوت عنه في مجالسه العامة. ممنوعات اعتبرها المجتمع من الأشياء المحرمة التي جعل تجاوزها يمس معاييره وقيمه […]

يناير
30
رقصة العزاء والتمرد، بين منجد باخوس ومكسيم غوركي والآن دو بوتن

بقلم/ ابتهال أزهري (على الدموع أن تغسل الأرواح لا أن تغرق فيها) حين تتكاثف الغيوم في قلب الإنسان، يكون الألم صامتًا في البداية، متربصًا بين ثنايا الروح كضوء خافت لا يكاد يُرى. لكنه يتغلغل، يثقل الصدر، ثم ينفجر في هيئة دموع. هذه الدموع، كما أدركتها الأم، لم تكن مجرد ماء مالح يسيل، بل كانت شهادةً […]

يناير
29
نهضة الأمة

إذا أردنا أن ينهض مجتمعنا ويحقق التقدم، فعلينا أن نركز على ثلاث ركائز أساسية: الأسرة، المدرسة، والمنهج. هذه الركائز تمثل أساس النهضة والتطور. أولاً: الأسرة تلعب الأسرة دورًا محوريًا في تعزيز القيم الأخلاقية وتنشئة الأجيال على الثقافة والمعرفة. على الأسرة أن توفر لأبنائها الكتب المقررة وكتبًا إضافية تغني عقولهم، ليصبحوا مثقفين وقادرين على التفكير بشكل […]

يناير
20
النفس والماء رؤى فلسفية

فورتونا، إلهة الحظ والخصب عند الإغريق، كانت تمثل جوهر التقلبات التي تحكم مصير الإنسان، رمزاً للحظ والطبيعة البشرية التي تنحني أمام رياح القدر، ولكنها في الوقت ذاته تعكس مرونة لا متناهية، كما لو أنها ماء ينساب في الأوعية المختلفة، يأخذ شكلها دون أن يفقد جوهره. ومع ذلك، عندما تتحول من الهدوء إلى الهيجان، تصبح قوة […]

يناير
20
تعزيز الحالة الاجتماعية للشباب عبر برامج التوعية والتثقيف

● تعزيز الحالة الاجتماعية للشباب من خلال برامج توعوية وتثقيفية: تُعتبر برامج التوعية والتثقيف أداة فعّالة لتعزيز الحالة الاجتماعية للشباب في المجتمع. من خلال تقديم محتوى تفاعلي وحواري، يمكن تمكين الشباب من التفاعل مع القضايا الاجتماعية وفهم تأثيرها على حياتهم اليومية. ● أهمية البرامج التوعوية:تساهم هذه البرامج في رفع مستوى الوعي لدى الشباب حول مواضيع […]

يناير
19
الجذور والأغصان: تأملات في منهجية المعرفة

إن محاولة الإحاطة بكل الفنون والعلوم أشبه بالسعي لاحتواء محيط في كفّ اليد؛ فهي مغامرة تحفها استحالة، وتحدّها طبيعة الإنسان وحدود قدراته المعرفية والزمنية. حتى في العلوم الأقرب إلى تخصصك، ستجد نفسك أمام تفاصيل تتشابك، وتفرعات تتباعد، تجعل السيطرة عليها كاملةً ضربًا من المثالية. إدراك هذا العجز ليس مدعاة للإحباط، بل هو وعي جوهري سيقودك […]

يناير
18
التفكك الأسري

يعتبر الطفل أكبر ضحية في انفصال الوالدين، لا يعرف إلى أي جهة يميل، تائها بينهما، كأنه في بئر عميق يمد يده لكي يساعده أحد ويخرجه من هذا البئر العميق، وكأنه في صورة مع والديه يمسك والده يده اليمنى وتمسك والدته يده اليسرى كل يشده على اتجاه، إن اختار الوالد ومهما وفر له الإمكانيات اللازمة من […]

يناير
16
القضية المركزية

إن استطاعوا النوم ليلاً مع تنفسِ كل صباح، يستيقظون من أحلامِهم إلى واقعهِم بعد أن أدركوا حقاًّ أن هذا هو الواقع وليس ذلك الحلم الذي يراودهم من حين لآخر، ذلك الحلم الذي لطالما أدخل السرور في نفوسِهم. الواحد منهم ينهض من على فراشه بخُطاً متثاقلة، يُلقي نظرةً حوله فإذا هو داخل خيمة أو ربما في […]

قراءة في رواية “التاريخ السري المعلن لآدم حواء” للكاتب التشادي محمد جدي

لا شك أن رواية “آدم حواء” هي رواية جريئة كشف فيها الروائي جدي اللثام عن بعض جوانب المجتمع التشادي التي غلفها بدثار العيب، ووضعها فوق رف المسكوت عنه في مجالسه العامة. ممنوعات اعتبرها المجتمع من الأشياء المحرمة التي جعل تجاوزها يمس معاييره وقيمه الاجتماعية الخاصة والعامة، ووبخ من يحاول الخوض فيها، وألزمه بالصمت. ولكن بدون ريب هي من التابوهات والمنهيات الموجودة والمغروسة في المجتمع التشادي. في نهاية المطاف، نحن جزء بشري من مجتمع مدني فيه من أمراض المجتمعات المدنية الأخرى التي تفشى فيها مثل هذه الأدران والأمراض الاجتماعية.

عيوب وجوانح يلوكها المجتمع في مجالسه الخاصة من خلف الكواليس، ويتشدق بأصحابها وفاعليها في العلن، ويبصق في وجوههم بالخزي والعار، ويتوعدهم بالثبور والويل، بينما قد يدعي المثالية الاجتماعية في الظاهـر، من دون أن يبذل جهدًا في البحث في مسببات هذا العهـر المجتمعي، والشذوذ الذي تأنفه الأنوف، وتشمئز من سماعه الأسماع.

في الواقع، إن تقمص المثالية يجعل من أي مجتمع مجتمعًا خاوي القوى ومعكوف اليدين، يمكث في مكانه دون نشاط عملي ضد هذه الآفات، وغير معترفٍ بوجود هذه المساوئ بشكل صريح في نسيج مجتمعه. سيكتفي فقط بتحريم هذه الجرائم الشنيعة من بعيد، وسيقوم كأقصى حد بوضعها في سلة الممنوعات المسكوت عنها.

الروائي جدي معروف بجرأته الكتابية والسردية كما أشار إلى نفسه في إحدى تقديماته عن روايته “آدم حواء” على لسان الآخرين له، ووصفهم لكتاباته بالسرد الذي يدغدغ المنهي عنه في المجتمع، ويمضي في دربه يسبر أغواره، ويكشف عواره، حتى يبقى في دائرة المشاهدة والمكاشفة العلنية.

الكاتب الحقيقي لا يبدي عن رأيه الخاص عن قضايا المجتمع الشائكة، ولكنه ينقلها ويصف الموجود فيها بمصداقية وجرأة وحيادية. وليس في هذه غرابة، فعندما منع ستالين في عهده تداول جميع صور الأدب بما فيها الرواية والحكاية الشعرية والنثرية عن المجتمع الروسي، كان مدركًا وواعيًا بأن الرواية والحكاية كالصحافة تسرد الحقائق، وتوضح المجهول، وتصف الممنوع، وتتحدث عن غير الممسوس.

أحداث الرواية تتزاوج بين عالمين متوازيين ومتباينين عن بعضهما في الظاهـر ومتشابكين في المعنى والأحاسيس. سردٌ يصعد ويهبط، ويغور ويطفو بين ماضٍ عاش تفاصيله ومنحنياته والد بطل الرواية “يسكو” وآخر حاضرٍ يعيشه ابنه “يسكو”. تاريخان متقاربان في المدة الزمنية، ومختلفان في زمن حدوثهما وأحداثهما التي تتقاطع أحيانًا وتتباعد في أحيانٍ أخرى.

يصول ويجول والد يسكو في سرده عالمه الآفل، ويفرد ما في جعبته من سرد تاريخي شيق. ينطلق ناصحًا وممسكًا بيد ابنه “يسكو” الذي قرر ترك القرية الغافية بين الكثبان الرملية بهـدوء، والرحيل إلى العاصمة “إنجامينا”. ينطلق الوالد نحو عالم ذكرياته بصحبة ثورة فرولينا وما صاحب هذه الثورة التشادية من دراما ونزاعات سقطت على أثرها أرواح كثيرة، وتمخضت في النهـاية عن تهاوي آمال وطموحات عديدة لشباب أفنوا حياتهم من أجلها. كما تظهر قصة حب بين السطور وتضحية أنهت مسيرته الشخصية بزواجه (بوالدة يسكو) بزيجة تكللت بتضحية فريدة من نوعها قامت بها والدة يسكو (فتاة المدينة وابنة الجنرال التي عاشت حياة الرفاهية) عندما قررت الرحيل والعيش مع العسكري السابق (والد يسكو) في حركة فرولينا في عمق الصحراء القاحلة وبين الكثبان الرملية، حياة البادية.

والد يسكو في سرده المتواصل يسقط الضوء على بعض شخصيات ثورة فرولينا الهـامة والمعروفة، وما كان في معيتهم من أفكار وأيدولوجيات اجتماعية وسياسية وفكرية انتهت وتمزقت بنهاية الحركة الثورية وسقوط مؤسسها إبراهيم أبشا.

ذكريات تاريخية يرويها والد يسكو البدوي الذي قد آثر حياة البادية وسكنى الصحراء بعدما تجرد من حياة المدينة ونأى بنفسه وعائلته عن صخب السياسة والعسكرية التي ترعرع في حضنها عندما كان يافعًا. لم يبق منه إلا ذلك السرد التاريخي الممتع، الذي عاوده ذكراه وقرر أن يلقيه على مسامع ابنه يسكو الذي أزمع على ترك البادية والقدوم إلى انجامينا.

وعلى الجانب الآخر من السرد، دراما حبلى بالأحداث أبطالها هم: بدوي قادم من الصحراء القاحلة، يرتدي إسبال البادية الرثة، ويفكر بطريقة البداوة (يسكو) حيث الأصالة والتمسك بالقيم الاجتماعية، ومخنث وُلِد بأعضاء تناسلية غير واضحة (آدم حواء) ضائع بين هويتين، وواقع في فك مجتمع مدني يعتبره منبوذًا غير مقبول به، وآخر شاذ جنسيًا شكلته بيئته الأسرية التي قدم منها، وزج به في هذا المستنقع الآسن من الشذوذ بعد أن تجرع من سوط القسوة، وعاقر الخمر وأخذ هذا المنحنى لفشله في الحياة الاجتماعية. صنفه المجتمع تبعًا لمستواه المجتمعي المتدني، وكاتب فارغ يبحث عن قوته في مجتمع لا يقدر كثيرًا الكتابة ولا يثمن من يمتهنها كمهنة. دراما تحتوي على مخلفات المدينة والمدنية من السحر والشعوذة وضياع القيم والمبادئ الإنسانية السامية.

شخصيات مضطربة ومتقاطعة تجمعها الصداقة وتفرقها الظروف والمجتمع. يضع الجميع في قالبه ومقياسه الخاص الذي يحدد به الخير والشر، القيم والمنحط. مجتمع يركز على النتائج دون مراعاة الأسباب والدواعي لكي يقوم بمعالجتها ومداواتها بالطرق السليمة، فيخرج مجتمع متناسق ومنسجم ومعافى من الأمراض الاجتماعية الآسنة التي مست قيمه ومنهجه السامي.

تلميح فني عميق يظهر من بين السطور يشير إلى فساد الأنظمة الإدارية القائمة على المحسوبية والجهوية والمنزهة عن الرقابة والمحاسبة، وما يعتري أجنحة الدولة العميقة من فساد إداري. وعروج سردي ماتع على جغرافية المنطقة التي جرت فيها أحداث الرواية: البادية، إنجامينا. ومرور جميل على تركيبة المجتمع في “إنجامينا” الذي يجسد المدنية، وتوزعها المناطقي في جميع اتجاهاتها.

كما أن الرواية تلفت الانتباه إلى قضايا البطالة وما صاحبها من الهـجرة إلى دول الغرب مرورًا بليبيا وما يعانيه الشباب من أسرٍ وتشتتٍ وضياع. ومصير القليل من الذين تمكنوا من شق عباب البحر المتوسط ممتطين الأمواج العاتية، وهم محملون بضبابية مشوشة عن مستقبل يلوح أمامهم في الأفق البعيد غير واضح.

لا يزال التاريخ يؤكد لنا منذ العصر البدائي الأول للإنسان فوق هذه الأرض، حتى هذه اللحظة، بأن الأخوة الصادقة والمحبة النزيهة والمصداقية هي المنتصرة في نهاية المطاف. ولكن الماضين على الطريق سيتجرعون من ويلات الترهيب والتهويل والخوف. والخذلان والطعنات النافذة من الأقربون والأصحاب.

سقط “آدم حواء” في الهـاوية وتداعي صعوده وأفل نجمه، بعد صعوده المؤقت على أنقاض الماضي الذي بات يخفيه عن الجميع، وأضحى متخبطًا يحاول التخلص من كل ما يذكره بذلك الماضي، وإن استدعى الأمر التخلص من رفاق الدرب الذين تقبلوه حين رفضه المجتمع. التداعي بعد الصعود هي سنة كونية، فكان مصيرًا مستحقًا عند النهاية، وصدق الذي قال: “اتقِ شر من أحسنت إليه”.

من الناحية الفنية، فإن الرواية يصدق عليها كما قال الأسطورة أحمد خالد: “بأن كل كاتب له عمل لن يرضى قراؤه بعمل أدنى منه”. وهذا ما حدث معي عند قراءة “آدم حواء” التي كنت متوقعًا لها أن تكون في مستوى أعلى من “قارب يلاحق مرساه” الذي أبدع في سرده الروائي جدي أيما إبداع، أو في “زمن الملل” الذي يغتصب متعة القارئ حتى نهاية السطر الأخير.

ولكن هذا لا ينقص من قدر هذه الجوهرة التي تناول فيها الروائي جانبًا مجتمعيًا مهمًا، وقضايا اجتماعية لابد من إسقاط الضوء عليها، والبحث لها عن حلول منطقية ومعقولة.

بقلم/ خالد الأمين

By khalid

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *