حسن موسى تشاي
يظل التعليم أفضل ما يجب أن يهتم به الفرد والدولة، وعلى أساسه يقاس التقدم والتخلف.. وبقدر صلاحه يأتي الاستقرار وتستدام التنمية، وواقع التعليم في العالم الثالث لا يبشر بالخير، والوضع أمر عندما يتعلق الأمر بتشاد. صحيح أن المتعلمين كمّا في ازدياد، لكن كيفاً يحيط بهم العديد من علامات الاستفهام، ورموز التعجب والاستغراب.. والوضع يوميا يتقدم نحو التخلف باستمرار.
الأزمات لا تأتي فرادى” هكذا قيل، وإن من الأزمات ما يبعث على البكاء، ومنها ما يجبر الواحد على الضحك.. أما أزماتنا نحن تجعلك تجمع بين الإثنين، فلا أنت بباك ولا حتى بضاحك.. فتعليمنا يجعلك تبكي أسى.. وتضحك ساخرا.. والوضع يوميا يتعمق سوءا.
أزماتنا كثيرة ، وفي نفس الوقت عميقة.. لكني أعتقد أكثرها تعقيدا تظل مسألة التعليم ومعلقاتها.. وهي في نهاية المطاف مصدر كل الأزمات.
التعليم واسع كمجال، متشعب كمشكلة، مركب كأزمة.. مما يحملني على الحديث عن الجزء بدل الكل.. أقصد ذاك الجزء الذي يتعلق بمكانة الشهادات العليا عندنا، ومدى جدواه (خاصة الدكتوراه) في الحياة اليومية والعملية.. وأصلا ما الفراغ الذي يسده حامل هذه الدرجة؟ وأي إضافة يقدمه سعادته؟ وأستثني هنا كل من يعمل أو يأمل أن يعمل في التعليم العالي والبحث.. فالدكتوراه ضرورية في هذا الحقل، أما عمك المختص في هندسة الكمبيوتر أو الشبكات ما الداعي لدكترته وبخترته؟؟
تظل الشهادات العليا الوسام الأبرز الذي يعتمد عليه حامله في العالم الثالث، وذلك بحكم التقدير الفائق الذي يتلقاه حامل هذه الشهادات، إضافة للفرص التي قد تُفتح أمام هذا الحامل.. هذا أو ذاك كان واضحا في السابق على عكس هذه الأيام. ففي الوقت الراهن أصبحت هذه الشهادات تحتفظ بنصف تلك القيمة الرمزية مقارنة مع بدايات الألفية.. إذ أصبح عدد الحملة متزايدا بصورة رهيبة في السنوات الأخيرة، وبالتالي بدأت تصبح بضاعة بائرة (نظرية العرض والطلب) هذا من جهة، ومن جهة أخرى ضعف الإضافة الحقيقية لهؤلاء المتدكترين، وانعدام تأثيرهم عندما يتعلق الأمر بالحياة الواقعية التي أعيشها أنا وأنت.
بدأ العالم المتطور بملاحظة هذه الآفة منذ فترة طويلة، وكان الأمر يستحق إعادة ترتيب الأوراق.. ووجدوا أن أفضل الحلول تكمن في ربط الوظيفة بالكفاءة أكثر من ربطها بالشهادة.. مما يعني أن عقلك يتكلم نيابة عن حضرتك.. على عكس ما هو معمول عندنا حيث أن الشهادة تتكفل بكل شيء نيابة عن صاحبه.. بغض النظر عن كفاءته وقدراته، كما أن هذه الشهادة تلعب دور المحامي نيابة عن صاحبه حتى بعد التوظيف وإثبات عدم أهليته.. وقد يستمر في الوظيفة لعشرات السنين مرتكبا جرائم لا تغتفر في حق وظيفته وعمله.. وفي نهاية الأمر لا يضيف شيئا سوى الاستهلاك والمتاجرة بهذه الدرجة العلمية.. (وكمثال يمكنك النظر إلى المنشورات التي يكتبها بعض الدكاترة في صفحاتهم.)
اعلم رحمك الله أن زمن الشهادات المجردة قد ولّى، وقد حان وقت إعادة النظر. وأفضل الحلول عدم ربط قدرات الشخص وقيمته مع شهاداته السوقية التي لا يستطيع الدفاع عنها معرفيا، كما يجب التفكير حول جدوى هذه الشهادات، والقيمة التي يضيفها حاملوها. فمثلا، ماذا يعني أن يكون دكتورا لم يكتب بحثا منذ أن ناقش رسالته للدكتوراه؟؟ وما الفائدة من شهادات هذا العم إذا كان لازال يخلط في كتاباته بين الخطأ الفادح والخطأ الفاضح؟
وقبل الانصراف أود أن أقول يجب التوجه إلى الجوهر بدل الغلاف.. وإلى ما هو مفيد عوض البهرجة.. فاجتهد من أجل الحصول على المعرفة بدل الركض لكسب الشهادات، والشهادات العالية ليست ضرورية خارج إطار التعليم العالي والبحث، بل ركز على المعرفة ومن ثم العمل.. فالعمل والكسب أكثر أهمية من ورقة تأخذ حيزها في الدرج لسنوات طويلة دون أن تستفيد منها شيئا سوى اللقب.. ولنا عودة