إبراهيم عبدالكريم محمد
نائب رئيس عصبة رواد الإبداع -تشادي
(وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر)
بهذا الشطر الشعري الجميل أستعير لسان أبي فراس الحمداني لأستفتح مقالي هذا مقدما اعتذاري للشاعر الكبير عيسى عبدالله فضل وأنا أقول:
عذرا سيدي الشاعر المغوار، لقد أصبحت اللغة العربية أرملة يتيمة بعد رحيلك عن دار الدنيا الفانية، تلبس رث الثياب وتأكل فضلات جلادها، لأن الذين كنت تظن بأنهم ذويها وأبناؤها أكثرهم كانوا حقا ينتظرون رحيل أمثالك ليتقاسموا قضية اللغة كما فعل ملوك الطوائف في الأندلس فأسسوا دويلات يحكمها البغض والهمجية حتى أفقدوا الأمة الفردوس الجميل وما أمرهم من أمر أولئك ببعيد.
لقد انقسموا إلى ثلاث طوائف مختلفة على حسب ما يُرى في الساحة الثقافية كالآتي:
1- طائفة تؤمن بأن اللغة العربية هوية ثقافية متأصلة في نفوس الناطقين بها وبالتالي يخدمونها بالنتاج الفكري والإبداعي والتراثي ليثبتوا بذلك مكانتها في المجتمع التشادي ويبرهنوا للطرف الآخر بأن اللغة العربية لا يمكن أن يستهان بها في مؤسسات الدولة وأروقة الحكومة فعلا لا قولا.
2- طائفة أخرى يدعون خدمة اللغة العربية زورا وكذبا فقط يتخذون عواطف الغيورين للغة كأصوات تساند مواقفهم التمثيلية عندما ينخرطون في سينياروهات المصالح الشخصية وبالتالي اللغة عندهم ما هي إلا حمار يوصلهم إلى ديوان الرئاسة لتقبيل يد صاحب التاج .
3- وطائفة أخرى …… (ترك للقارئ المثقف ليأول القول المسكوت عنه مثلما تملي له مخيلته) ولا ننسى أن هناك نقاط التقاء بين هذه الطوائف في بعض المواقف.
فكثير من المؤسسات والجمعيات والروابط التي تنادي بنصرة اللغة العربية أصبحت ملتقى يجمع كل هذه الطوائف في بوتقة واحدة وهنا يظهر الاختلاف الجوهري في الآراء والأفكار التي ينشأ منه التباغض والكره فيما بين المنتمين لهذه الطوائف.
وهذا ما جعل المراقب الكيس يسأم من وجود هذه التكتلات لأنهم يفرقعون بموجات صوتية هدامة يرجعها الصدى كالذين يبحثون عن الجن ذكرا هو أم أنثى كما قال الأستاذ عبدالفتاح مورو.
وهنا أعصر ذاكرتي لأستذكر مقطعا من قصيدتي (ثقوب في ظلال الريح)
لأوضح للقارئ تخبط الذين يدعون الثقافة في هذه الأيام فأقول:
(هُمْ يَخْتِنُونَ الشَّمْسَ جَهْرَاً
وَهْيَ أُنثَى
كُلَّمَا ضَحِكَ الصَّبَاحُ
وَلَاحَ مِنْهَا ذَلِكَ الشَّبَقُ
الضِّيَائِيُّ الْجَمِيل.
هُم يَجْعَلُونَ عَلَى طَرِيقِ
الرِّيحِ دُورَاً مِن خُيُوطِ
الْعَنكَبُوتِ وَيَسْكُبُونَ لِمَنْ يَرَاهُم
فِي مَرَايَا الذَّوقِ كَأْسَاً
مِنْ شَرَابِ الْيَأْسِ دَفَّاقَاً
بِلَا طَعْمٍ فَيَبْحَثُ صَاحِبُ
الْأَذْوَاقِ عن سُفُنِ الرَّحِيل.)
فبالتالي لفظة – عربفون – التي نطلقها على أنفسنا أو يطلقها الآخر علينا على حسب ظني لفظة خاطئة وظالمة ولا تعطي المعنى الحقيقي لوصفنا.
فإننا لسنا مستعربين أو متعربين حتى تطلق علينا هذه اللفظة، فكل ناطق بالعربية في تشاد وجد العربية من البيئة المحيطة به سواء في السلم التعليمي أو في الحلقات التعليمية ولم تكن لغة دخيلة كنظيرتها الفرنسية وهذا يؤكد أصالتها في المجتمع التشادي بشتى عرقياته وإثنياته وذلك أمر مؤكد مما يجعلنا جميعا نحس بنفس الألم كالجسد الواحد.
وأخيرا أقول للإخوة المثقفين الناطقين بالعربية نحن في وضع يطالبنا بأن نثبت للمحيط جدارتنا وكفاءتنا أكثر من ثرثراتنا وتخبطنا في الأمور لذلك يجب علينا أن نتحد وننادي بصوت واحد يخدم مصلحة المجتمع لا مصالحنا الشخصية.
فالمثقف الناطق بالعربية يجب أن يكون وعاء للمعرفة والثقافة والتحضر حتى يقول لنا الطرف الآخر بصوت جهور: حقا (الإناء بما فيه ينضح) وشكرا.