عثمان محمد علي- خريج جامعة الإمام محمد بن سعود.
-ابتدأ المؤلف كتابه بتمهيد أبان فيه عن غرضه من الكتاب وطريقة سيره والباعث إلى تأليفه.
وسؤال البحث في الدراسة: إبراز العلاقة غير الظاهرة بين الحداثيين في برامجهم لإعادة قراءة التراث والاستشراق الفيلولوجي، بأدوات البحث العلمي والبرهنة على ذلك بتسليط الضوء على أبرز أداتين للفريقين: تقنية توفيد الأصيل وتسييس الموضوعي، وبيان الاستمدادات بين الفريقين.
الباب الأول: مسبقات الاستمدادات.
عقد فيه المؤلف أربعة فصول مهيئة لموضوع الدراسة، الفصل الأول:
بيّن المقصود بالفيلولوجياً بأنه: علم التحليل الثقافي للنصوص اللغوية المبكرة. وذكر صعود هذا الحقل في الدراسات الاستشراقية، وبداياته.
الفصل الثاني:سؤال معدات الاستشراق، وطرح سؤالا: لمَ اقتصر المستشرقون في تحليل المحتوى الثقافي التراثي بالفيلولوجيا، ولم يوظفوا أبرز علوم الدلالة في الفكر الغربي كالنقد الأدبي وفلسفة اللغة واللسانيات والهرمنيوطيقيا؟؟
وبين أن هناك فجوة بين التنظير المفهومي والتطبيق التفسيري في الفكر الغربي عموما، وليس الأمر مقتصرا على المستشرقين، ومثّل بالمشتغلين بالحقول الدلالية كفقهاء التشريع في تفسير القوانين، وبعلماء الكنيسة في تفسيرهم للنصوص المقدسة، ثم ختم الفصل باستهجان ونقد المطالبات من بعض المتأثرين بالفكر الغربي إلى توظيف هذه الأدوات( فلسفة اللغة إلخ) في إعادة قراءة التراث. فذكر أن المشتغلين بالحقول الدلالية في الغرب لم يوظفوا هذه الأدوات فكيف يُطالب منا معشر المسليمن بالاستعاضة بهذه الأدوات عن علمي أصول الفقه والبلاغة أداتي التفسير في التراث الإسلامي، وقد برهنا صلاحيتهما قرون متطاولة!
والفصل الثالث: صعود حقل تاريخ التراث:
هو الحقل المهتم بدراسة أبرز المحطات في التراث خاصة في البدايات، ونقاط التأثر والتأثير وأبرز العلماء المؤثرين في حقل ما أو حقبة ما.
أبان المؤلف عن بدايات هذا الصعود في مدارس الاستشراق ثم تطرق إلى أبرز الحداثيين العرب واستمدادهم من المستشرقين هذه الأطروحات، كجورجي زيدان ثم أحمد أمين في سلسلته وغيرهما.
والفصل الرابع: ما بعد الفيلولوجيا:
ذكر أن الاستشراق في النصف الثاني من القرن الماضي تجاوز الفيلولوجيا إلى حقلين جديدين: مدرسة أنثروبولوجيا الإسلام، ومدرسة المراجعين.
أما مدرسة أنثروبولوجيا الإسلام: تحاول دراسة المجتمعات المسلمة ببعض النماذج في العلوم الاجتماعية، ومدرسة المراجعين تتبنى التشكيك في التراث الإسلامي ومراجعه الرئيسة، وتوصل المؤلف إلى عدم وجود استمداد ظاهر بين هاتين المدرستين وبين الحداثيين العرب؛ إنما وُظّفتْ نتائج المدرسة الأولى من قبل السياسيين الغربيين في توسيع نفوذهم في المجتمعات الإسلامية، والمدرسة الثانية تأثر بنتائجها ووظفها دعاةُ التنصير والملاحدة ونحوهم في بث شكوكهم وشبههم على منصاتهم.
-الباب الثاني ( تقنية التوفيد)
الفصل الأول: التوفيد في الاستشراق الفيلولوجي:
وزبدته تتلخص في أن المستشرقين يزعمون أن التراث الإسلامي ومفاهيمه الكبرى إنما هي محض اقتراض واتكاء على الحضارات السابقة للإسلام كالقانونين الروماني والساساني، فمثلا: يستنتج أحدهم أن الساسانيين أثروا في الفقه الإسلامي لأن الأئمة أبا حنيفة والشافعي وأحمد نشأوا أو مكثوا في العراق، والعراق موطن الساسان= إذا الأئمة تأثروا بالقانون الساساني.
وغيرها من الأمثلة التي أوردها المؤلف عنهم في توفيد الأصيل من التراث.
الفصل الثاني: إعادة التصنيع العربي للتوفيد:
ثنى المؤلف بذكر استمدادات الحداثيين من المستشرقين المادةَ نفسها وإعادة إنتاج خطابهم، ونقل نماذج من كتب الجابري وأحمد أمين وغيرهم.
الفصل الثالث: مناقشات
ختم الباب بنقد هذه الأطروحة بعدة نقاط:
-التمييز بين توفيد الأجنبي والأصيل: وخلاصته: أن أصل أداة التوفيد أي تمييز الأثر الوافد من الأصيل=لا إشكال فيه وقد وظفه علماء الإسلام في تراثهم، مثلا: تمييز آثار الفلسفة اليونانية على العقيدة الإسلامية وإبراز ما تغلغل فيها بردها إلى منبعها وتخليص العقيدة الإسلامية منها.
أما طريقة المستشرقين فما هي إلا تعسف في ربط أي تشابه بين المفاهيم الإسلامية والحضارات السابقة، وبيّن المؤلف مستدلا على عدم موضوعية هؤلاء المستشرقين وبيان حقدهم على الإسلام من صريح كلامهم هم.
-العلاقة بين القرآن والكتب السماوية:
لا يخفى أن الأديان تخرج من مشكاة واحدة، وعليه فوجود شبه بين الإسلام والرومان وغيرهم في بعض العقائد والمفاهيم لا يُستغرب، بل هو بدهي!
ويظن المستشرقون أنهم ببيان أوجه الشبه يدينون الإسلام بتهمة الاقتراض من الأديان السابقة، ويجهلون أنهم يبينون عن جهلهم بصنيعهم
الباب الثالث(تقنية التسيس)
المقصود بالباب: أن المستشرقين والحداثيين من وراءهم يحاولون إخضاع الآراء الموضوعية لعلماء السلف الناتجة عن إيمانهم وأخلاقهم وموضوعيتهم إلى معطيات سياسية كإرادة العلو والجاه والنفوذ لنفسه أو التزلف إلى السلطان للتقرب منه إلخ.
وسار فيه بنفس عرض الباب السابق بذكر نماذج من كتابات المستشرقين واستتبعه بكتابات الحداثيين العرب وختم بنقد ونقض الأطروحة.
والحداثيون أكثر توظيفا لتقنية التسييس بينما المستشرقون أكثر توظيفا للتوفيد.
الباب الرابع: تهريب استشراقيات المحنة
وعقد فيه ثلاثة فصول وهو أطول الأبواب إذ استحوذ على نصف الكتاب، وقصد به أسلوب العينة والحالة.
الفصل الأول: منعرجات استشراقيات المحنة:
بين فيه أطروحات أبرز المستشرقين وتحول خطابهم تجاه المعتزلة ومحنة الإمام أحمد، والذي تولى كبره المستشرق فان إس وخلاصة رأي فان إس في ثلاث نقاط:
المعتزلة بريئون من عار المحنة، وإلصاق التهمة بالجهمية وغيرهم.
٢-تقزيم بسالة الإمام أحمد، وأن الأمر محض تهويل من أتباعه، وأنه خضع للقول بخلق القرآن.
٣-تسيس محركات المحنة، بجعل امتحان المأمون للعلماء إنما هو لصد صعود تأثير أهل الحديث ونفوذهم.
-الفصل الثاني: المستورد العربي لاستشراقيات المحنة:
استنتج المؤلف في الفصل الثاني أن فهمي جدعان -أبرز المستوردين العرب لأطروحة فان إس- في كتابه(المحنة) سارق لأطروحة فان إس وبتعبير المؤلف “ألقى دلاءه في بئر فان إس وبدأ يسكب على القارئ العربي دلوا دلوا” وبرهن على ذلك بالتتبع والتحليل الضافيين.
-الفصل الثالث: ثغرات استشراقيات المحنة:
يقع الفصل في أكثر من مئة صفحة، وفي رأيي هو من أمتع فصول الكتاب وكل فصوله كذلك.
أطنب المؤلف في تفكيك أطروحة فان إس ونقض أصول كلامه والإشارة إلى من اعتمد عليه من المتقدمين كالجاحظ، وقد كان الذراع الإعلامي للمحنة مكرّسا بلاغته في التبرير للمحنة وإضفاء الشرعية عليها.
وأمسك بالنقاط الثلاث التي توصل لها فان إس، وشرّحها ثم فنّدها.
ولا يسع المقام لذكر مجمل ما نقض به المؤلف هذه الأطروحة؛ إذ أخشى بخس بعض الحجج حقها
ختم المؤلف بتذييلات ختامية آخر الكتاب كالنتائج:
-الاستشراق لم يمت، ولازالت دراساتهم محط أنظار القوى الاستعمارية يتكئون عليها ويبنون.
-استعمارية الاستشراق: باعتراف بعض المستشرقين أنفسهم أن الاستشراق بوابة المستعمرين إلى البلاد الإسلامية، وما زالوا كذلك.
-الاستشراق الفيلولوجي يميل إلى تقنية التوفيد أكثر من نظيره الحداثي المائل إلى تقنية التسيس أكثر، وسبّب المؤلف ذلك.
-الجور على النقد الإسلامي للاستشراق: يظهر جليا احتفاء المستشرقين والحداثيين لنقد إدوارد سعيد وأنور عبدالملك للاستشراق، بينما لا ترى مثله من الاحتفاء في النقد الذي وجهه الإسلاميون للاستشراق كنقد رشيد رضا ومالك بن نبي والندوي وغيرهم، ويعزو المؤلف هذا التخالفُ في المكاييل لدى المستشرقين لكون إدوارد وأنور مسيحيين، وهذا مفهوم نوعا ما؛ إذ الغرب هويته مسيحية وإن لم يكن جلّهم متدينا، لكن المستغرب هو تجاهلُ الحداثيين المنتسبين للإسلام لنقد هؤلاء الإسلاميين وبعض نقدهم سابقٌ لنقد أنور وإدوارد.
ختم المؤلف كتابه بمقولٍ مكثف يلخص أمر الحداثيين “…إذا استحضر المؤمن… أدركه الرثاء على مشروعات التأويل الحداثي للتراث وعلم أنها تغرق في وحل ليدن وهي تظن نفسها تبحر باتجاه قرطبة”.
مميزات الكتاب:
-جودة التحليل للنصوص والنقول وطول النفس في ذلك.
-سعة الاطلاع على المصادر خاصة الغربية، وإتقان المؤلف للإنجليزية ساعده في ذلك.
-ومن أهم أغراض المؤلف في كتابه إظهار الحداثيين العرب على حقيقتهم وبيان استمداداتهم من المستشرقين وأنهم ليس إلا مرددون لما يقرره المستشرقون وادعاءاتهم وبتعبير المؤلف ( ما إن هززنا حقائب الحداثيين حتى تناثرت علينا من باطنها غليونات المستشرقين) وهو من أظهر أهداف المؤلف ومن أسباب ذلك أنه رأى تعظيما من القارئ العربي لهؤلاء الرموز الحداثيين واعتقاد بعض القراء أنهم محققون في هذه الحقول، وببيان أنهم عالة على المستشرقين يعودون إلى موقعهم اللائق بهم وإثبات أجنبيتهم عن معرفة التراث وتحليل محتواه.
-بيان تحيز بعض المستشرقين وإظهار جهلهم المركب لبعض القضايا والمفاهيم الإسلامية في التراث، وأجنبيتهم عنه.