أبكر عبدالرحمن أبكر – أديب
قطر
هكذا نكف عنِ الصمت الهائل بيننا، ونبدأ لعبة الكلمات، لنسد بها هوة الفراغ . ونخترعَ لأنفسنا لقاءً ما، كما يقول سميح قاسم، أو وهماً ما، نوهم أنفسنا من خلاله أننا لم نزل نتفس بعد! أما آن لهذه المساحات المتددة بيننا أن تتقلص، أليس من حقنا أن نعبر تلك البحار والمحيطات الراقدة بيننا، والتي تبالي بما بنا من حنين إلى الأحبة.
أنتَ تدرك جيدا، أيها السائر على بياضِ الطرقات والعازف على حنين الذكريات، أن الذكريات تتولد بغتة ،من نبعٍ مجهول ، فتتدفق بانهمارٍ الغيوم _ غيوم الخريف المباغتة على أرض “قوزتور” المتشققة _ ، لتجعلني في حالة ذهول من الصور التي تتراءى على شاشة الذاكرة، محاولاً تلميعها وتلوينها، لكنها تمسك بعنادها ولا تغير من غبشها شيئا!.
قديما قال أستاذي أبو حيان التوحيدي: حدثني إن الحديث من القرى، أفسح لي المجال، لأحدثك عما يدور في خلدي، عما يدور في محيطي، عما يدور في هذا الوطن الذي نخرته سوس الطغاة، عن الشعر ذاك .
أيها الصديق العزيز ، هل تذكر ذاك المتمرد الذي لا يكف عن المكوث في مكان بعينه، سابحا في فضاء الله الواسعة، تتردد صرخته المدوية على مسامع الدهور “على قلق كأن الريح تحتي”، أقصد شيخنا أبا الطيب برد الله مضجعه، هل قرأت له؟ أم أنك ما زلت في ضلالك القديم، تلتهم كتب الروايات وتاريخ الأرداف وترهات التنمية البشرية؟ عد إلى رشدك يا صديقي، ودعك من هذا الغي، عد إلى الشعر يعد إليك وطن اللغة.
أعلم أنك ستقول في قرارة نفسك، هذا الطائر يصدح بالشعر، فما باله يريد أن يقحمنا في صداه .
لستُ هنا لأروج عن الشعر، ولست في مقامٍ تسمح لي نفسي بذلك، لكن اللغة الحقيقة، اللغة العميقة، اللغة التي تتدفق كالسيل الجارف، اللغة التي تسري كالنسيم العليل، اللغة المشعة بالقناديل، تفوح من داووين الشعراء