د. محمود شريف- شاعر وأكاديمي
#تشاد
في الأعوام العشرة الأخيرة بدت الساحة الأدبية التشادية مزدحمة، وهناك إقبال كبير من الناشئة على الفنون الأدبية كالقصة القصيرة، والرواية، والشعر، وغيرها من الأشكال الأدبية، وهذه الظاهرة تعتبر ظاهرة صحية تبشر بمستقبل أدبي واعد، وتحريك للبيئة الأدبية الراكدة بفعل عوامل داخلية وأخرى طارئة ومؤقتة قد تتلاشى مع الظروف المواتية.
لكن هذا الحراك الأدبي يشوبه شيء من التخبط، وعدم التركيز، والتقدم في طريق ملتو غير معلوم النهاية لدى الناشئة المهتمة بالأدب وقضاياه، فنجدهم يضربون في وديان الأدب دون هدى؛ فتارة يقصدون الشعر ويخوضون بحوره، ويعبّون منه حفظا حدّ الاتفجار وتجرفهم الأمواج، ويأخذهم التيار حيث يشاء، والناجون من الأعماق ينسلون ليقعوا في متاهات السرد وغاباته الاستوائية، وما إن ينفضوا عنهم ما علق بهم من آثار النثر من أشواك وأغصان حتى يوغلوا في النقد دون أن يمتلكوا أدواته، وأن غالب ما يجري في الساحة الأدبية التشادية من نقد إنما هو من قبيل الانطباعات الشخصية التي تنطلق من المزاج والعاطفة وما يتحكم في ذلك من خلفيات إيدلوجية وغيرها، ولو أن المهتمين بقضايا النقد أن يضعوا مناهج لنقد الأعمال الأدبية التشادية، أو تكييف ما هو متوفر من مناهج لمعالجة المنتج الأدبي لدينا.
إن عرض الأديب نفسه على الأشكال الأدبية من شعر وقصة ورواية وغيرها أمر ضروري ليعرف أين يجد نفسه وكلٌّ ميسر لما خلق له. لكن المشكلة كل المشكلة ألا يثبت على الشكل الأدبي الذي يتوافق مع ميوله وطبيعته ويطوره ويُعرف به ثم يُعمل قلمه في شكل أدبي آخر دون أن ينفصل عن فنه الذي ينتمي إليه، ولا أنكر مستويات الموهبة فلبعض الناس القدرة على التعامل مع أكثر من فن أدبي ويبدع فيه، وآخرون لا تصبر مواهبهم إلا على لون أدبي واحد، وفي كلٍّ خير.
إننا في أمس الحاجة إلى من يضبط البوصلة، ويوجه القافلة، ونستصحب ما يقوله أبو هلال العسكري في كتابه ” الصناعتين” حين تحدث عن طبقات الناس في الكتابة ومساعدة الموهبة(واستخدم لها عبارة الطبيعة) والقعود بصاحبها.
وعندما يُبتلى الكاتب ” بتكلف القول، وتعاطي الصناعة، ولم تسنح لك الطبيعة في أول وهلة، وتعصّى عليك بعد إجالة الفكرة، فلا تعجل، ودعه سحابة بومك ولا تصجر، وأمهله سواد ليلتك، وعاوده عند نشاطك؛ فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة إن كانت هناك طبيعة وجريت من الصناعة على عرق… فإن تمنع عليك بعد ذلك مع ترويح الخاطر، وطول الإمهال، فالمنزلة الثالثة أن تتحول عن هذه الصناعة إلى أسهى الصناعات إليك، وأخفها عليك؛ فإنك لم تشتهها إلا وبينكما نسب، والشيء لا يحنّ إلا إلى ما يشاكله، وإن كانت المشتكلة قد تكون في طبقات؛ فإن النفوس لا تجود بمكنونها، ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة، كما تجود مع الرغبة والمحبة”
وهي إرشادات تثبت الخطو على الطريق، ربما تهدي الضال وتنبه الغافل، وتعيد أولئك الذين يقفزون على كل فن إلى الجادة.