هنادي مطر- كاتبة
#الصومال
هناك سر كبير يكمن في البحر، هناك غضب وهدوء وحكايات خذلان وفجور يضمها ويخفيها عميقا في تضارب أمواجه.
أمام البحر أشعر بالعجز، عجزٌ مبهم قاتم، أشعر بالتوتر والخجل وكأن حقيقتي تتعرى له دون جهد!.
الجلوس هناك مقابلا له يتطلب شجاعة وترك كل الغرور والتصنع جانبا.
لست أعرف ماهية هذا الشعور الذي يجعلني أتخبط منتشية، كسكير في ليلة ماطرة، يترنح على غياب عقله هاربا من عذاب ضميره!.
أقف هناك مستسلمة، كل حياتي وتحولاتها تمر أمامي كشريط ذكريات.
لست بريئة أو أحاول تبرئة نفسي من شيء، لست أحاول الشكوى لا أملك الرفاهية لأرغب!. أنا مذنبة، ظالمة، أستحق كل هذا الموت المظلم الذي يحاوطني من خصري، يغويني لأرضخ له، أفعل كل ما أمكن لأفلت من هذا الطوق، طوق الحقيقة أو لأقول طوق المرارة، حيث تتنكر لي كل أشيائي المألوفة، حيث تبرز لي أفكار عابثة تودي للجحيم، أتملص من هذا كله، أنفض عني أنامله المصممة لتنفرد بي، ألمح حفنة من الناس هناك أركض إليهم رغبة مني للهرب، أحاول الانخراط بأحاديثهم، لكن لا جدوي هذا الحضور الطاغي لا يريد تركي وشأني! يعيدني إليه يثبت كم أنا ضعيفة أمامه، يحاوطني مجددا ويبتلعني ببطئ ويظلم كل شيء.
كان السكون ظاهري وكل فوضى العالم تُقام حفلتها في داخل رأسي عقلي وقلبي!. لعنات الكون لن تنفع معي، لن ينفع أحاديث صديقتي ولا محاولاتها بجعلي أبقى معها، أو أركز في شيء من أحاديثها، هي فقط كانت تراقبني حين كنت في صراع مع ذاتي، هي لم تلاحظ خوفي، رعبي وغيهبية مقلتاي!، لاحظَتْ فرط حماسي، عبثي الزائد، ضحكاتي الخالعة، ومحاولاتي الفاشلة في تقمص اللامبالاة!. ربما ندمت لمجيئها معي، أو حتى كرهت نفسها لأنها فكرت بالتعرف إلي !. أنا آسفة يا صديقتي -إن كنت تسمحين لي بتسميتك هكذا-، أعتذر عن تحطيم توقعاتك وتخيلاتك عني، أترى لستُ سوى إمرأة تحاول إثبات أنوثتها… وإن كانت المعضلة تتمحور أن من أحاول إثبات الأمر له ليس سواي!.
ظَهَر فرس بلون القهوة أو ربما لون يشبهها لست أهوى شرب القهوة لكني أحب إثبات ألوان الأشياء كمحاولة مني لخلق ذكرى معها.. ظهر وسط محاولاتي للهرب بعيدا. وكل ما أردته بعدها أن أتربع على ظهره، قرأت كثيرا عن الخيل وجمالها، سحرها وتفردها، لكن هذا كان يفوق كل شعور جربته، شعور أن أكون أمام فرس، إندهشت من جرأتي وعفويتي كمن تدرب وعاش مع الخيل طوال حياته،… كيف استطعت عناقها وكأنه لقاء لعاشقين هدّهما الشوق وأضناهما التوق!. غرقت بعينيه كان العمق والطمأنينة تسكنهما بشكل متناقض.. كنت قبل قليل أغرق في أمواج البحر وأفكاري، لكن هذا كان غرقا مغايرا، محبّبا لم أرد النجاة منه!.
حملني ذاك الفرس على ظهره، سمح لي العبث مع خصلات شعره الفاتنة، أردت الصراخ وقدماي تدلى من حانبيه، عدت طفلة على ظهر والدي، عدت سنين للخلف، وحضر شعور الأمان، أردت الصراخ وإعلان سعادتي، لكن عشرات العيون كانت تنظر إلي، تراقب أنثى تتمرد على العادات وتركب على ظهر فرس أمام الرجال، كلمات السخرية والإعجاب كانت تلتقطها أذناي. لم يكن يشغلني رأيهم بي ولا محاولاتهم بحكمي دون محاكمة!، كنت أستمتع بلحظتي لحظة السلام، كنت أتخيل صوت الفرس يأتيني يربت على قلبي يخبرني أن لا أهتم لشيء ، في الحقيقة كان هذا صوت أحد أعرفه جيدا لكني فضلت أن أنسبه إلى الفرس!.
مهووسة أنا بخلق أشياء ضخمة وتحطيمها، وهذه المرة خلقتُ طاغية لا أعرف كيف يتمكن هذا العالم من مجاراتها!.
أترككم لألتقط أنفاسي قليلا.
#يوميات_مبعثرة