هنادي أحمد نور- كاتبة
#الصومال
عزيزي يا صاحب الرأس اليابس سنة أخرى تنتهي وأنت لم ترسل لي حتى نقطة.
خلال عبوري في متاهات العمر أتجول ومعي الكثير من الذكريات ، أتوسدها وأعبر بها الأماكن. وأنت تتوسدني متخطيا كل ذكرياتي تلك كندبة أحملها معي أو لعنة تلحقني من حياة أخرى.
أقف وسط العاصمة، هنا الأصوات تتداخل بتناغم عجيب، أبواق السيارات ، صخب الناس، الشرطة تحاول تقليل الإزدحام، والموسيقى المتنوعة التي تصدع من سماعات السيارات والتكتك. كل تلك الأصوات تقودني للجنون، صحيح أنني من إختار الوقوف هنا، لكني إنجذبت إلى سحر الصخب وفوضى الأصوات، وأردت تخليد المشهد في رأسي، إحتجت إلى هوبر أو فان غوخ ليمسكا بالألوان ويحبسا هذا المشهد في لوحة أثرية، لكني أتيت متأخرة عنهم لقرون ، لا بأس يا عزيزي انت هناك في رأسي أمسك بهذا المشهد لأجلي.
في وسط كل هذا لمحتُ رجل مسن إستوطنه الزمن وجعد ملامحه، كان يركن إلى زاوية ويراقب معي المشهد، كنت أحدق به للحظات وذكرتني عيناه الغائرتان مقولة قرأتها “عيناي منهكتان ببكاء لم تذرفاه.” قادتني قدماي إليه، جلست جنبه وسألته بجرأة وفضول عن ماذا ينتظر؟. كل منا ينتظر شيء خفي، شيء لا نعرف ماهو لكننا نظل ننتظر حتى وإن كان هذا آخر ما سنفعله، لهذا أردت وبشدة أن أعرف إجابته، كعادتي الفاسدة سأخذ مشكلته معي واعلقها في رقبتي كوسام لشيء مجهول.
طال صمته حتى ظننت انه لن يجيب ثم جاء صوته ثقيلا وكأنه يجر أحجارا للبناء ويصعد بها ..” لا أنتظر شيئا، فقط أشاهد سنة تمر مثل أخرياتها، سنة تركض ويركض ورائها الزمن كله. أنا فقط عابر يحدق بالنهايات ويودع الدهشة، لم أعد أشعر بالذهول أو الفضول تجاه أي شيء، كل شيء تحول إلى رقعة من البياض واضح، ممل، وغير ملفت، أريد التبخر والإختفاء، أنهكني الإنتظار فتوقفت عن ممارسته. اترين هولاء الناس كل منهم يحمل في رأسه توقعات هي سبب جحيمه، كل منم ينتظر شيئا لدرجة أنه اهمل الأشياء التي يملكها، ينتظرون أحدا ليأتي ويحبوه بينما الأشخاص في حياتهم يأكلهم وحوش الإكتئاب وتبتلعهم الوحدة. أنا فقط جالس هنا لأودع مشاعر الترقب التي تنبعث من الباحة، لا أنتظر شيئا، وأريدك أن تتوقفي عن الإنتظار كذالك يا هند، التفتي إلى ما تملكينه وتغني به.”
وفي لحظة التي ذكر إسمي بها عرفت أنه ليس حقيقيا، شبح آخر لا يريد التوقف عن لفت إنتباهي، هل أرسلته لي حقا؟ أريد تصديق هذا ، شبح مرسل منك فقط يمكنه التفلسف هكذا.
في العاصمة حيث كل شيء متوقع أريد أن أكتب قصصا عن أزقتها حيث تكمن كل أسرارها، الرجال والشاي ، يجلسون في دائرة يرتشفون قدح الشاي بطريقة وسيمة جدا تجعلني أقع لسحرهم فاتعوذ من الشيطان والتفت إلى النساء اللاتي يبهرنني بتناقضهن فهن هناك يصنعن الشاي للرجال ، وأيضا هن هناك في كامل أناقتهن يتمايلن في الرصيف ويبعثرن الذكور برقة.
عزيزي يقول سائق التكتك أنني أنثى عجيبة وأنه لم يلتق بمثلي من قبل، أنا متأكدة أنه لم يلتق بانثى تجعله يطوف في ازقة المدينة بلا هدف ثم توقفه فجأة تحدق بالناس بلا معنى.