رانيا إبراهيم زنيمي- كاتبة
#تشاد
كيف هي علاقتك مع الله؟
كان سؤالا بسيطا جدا، طرحته امرأة تجلس بجانبي في المواصلات، و لم تكن تتحدث معي، كانت تحدث ابنتها على الهاتف، ولكنني شعرت بها وكأنها تقصدني، حاولت الإجابة بيني وبين نفسي، ولكن وجدتني أكرر السؤال مرارا وتكرارا.
كيف هي علاقتي مع الله، ثم تساءلت، متى كانت آخر مرة سجدت فيها فريضة لله، ربما ظهر يوم أمس، حتى أنني لا أذكر أي سورة قرأت فيها، ثم حاولت تذكر آخر مرة مسكت فيها مصحفا بنية التلاوة، قبل شهر؟ لا بل ثلاثة أشهر، بل كان ذلك في رمضان أي قبل عشر أشهر على الأقل، ومع ذكر رمضان تذكرت أن علي ديونا لم أقضها، ولا أذكر عددها حتى، فكيف هي علاقتي مع الله؟
التفت إلي المرأة التي كانت توصي ابنتها قائلة: لا تنسي أذكارك يا ابنتي فليحفظك الله.
ثم أغلقت الهاتف ونظرت إلي فشعرت بالخجل لا أدري من ماذا، إلا أنني تظاهرت باخراج شيء من حقيبتي، فقالت بابتسامة واسعة:
إنها ابنتي تدرس في الخارج.
هززت لها رأسي في صمت متجاهلة النظر إليها، فلم تقل شيئا بعدها، نظرت إلى هاتفها فقد فتحت صورة أرسلتها ابنتها على الأرجح، كانت فتاة سمراء متوسطة الطول نحيفة القامة تبتسم ابتسامة واسعة، يحيط رأسها حجاب أبيض بإحكام وترتدي عباءة سوداء طويلة.
وجدت نفسي أنظر إلى ما أرتديه، تنورة ضيقة عليه قميص وإن كان واسعا نوعا ما وبأكمام طويلة، إلا أنه لا يخفي تضاريس جسمي، ولا سيما أنني أرتدي فوقه طرحة خفيفة أغطي بها نصف شعري، وألفها حول رقبتي، شعرت بإحساس غريب، وكأنني أخجل من منظري، لعنت المرأة التي أدخلت في نفسي تلك الوساوس، وكان من الجيد أنني وصلت إلى وجهتي، نزلت من الحافلة وألقيت نظرة أخيرة على المرأة، ثم سرت رافعة رأسي بشموخ، أضرب الأرض بإباء وصوت كعب حذائي يصدع في أذني، كنت عائدة من الجامعة، أحمل بعض الملفات وحقيبة يدي.
يبعد منزلنا عن الشارع العام مسافة قصيرة، اعتدت السير فيه يوميا، ولكنني شعرت به يبعد أميالا هذه المرة.
دخلت البيت وأنا شاردة الذهن، أحلل نفسي، أبحث عن نقاط صلاحي، لست فتاة سيئة، ربما أهمل الكثير في صلاواتي إلا أنني أفضل بكثير من البعض، الذي لا يصلي بتاتا، أقنعت نفسي بذلك، ولاسكت ضميري، صليت العصر وحاولت أن أطيل فيها، متجاهلة كوني لم أصل الظهر، أو الفجر حتى، ولكنني وعدت نفسي أن لا أفوت المغرب والعشاء.
وبذلك أسكت صوت عقلي، وبقي أن أسكت صوت معدتي، توجهت إلى المطبخ وتناولت ما وجدته أمامي، ثم ذهبت إلى التلفاز لمتابعة الحلقة الجديدة من مسلسلي التركي، ثم شاهدت حلقة المسلسل الذي يله، ثم فيلما هنديا، وبعدها جلسنا ساعة نناقش أنا وأختي
أحداث المسلسل.
وقضيت ما تبقى من الوقت على وسائل التواصل والاستماع إلى الأغاني وصناعة فيديوهات بالاسناب، ثم لا أدري كيف سرقني الوقت لأنام بعدها.
ليلتها حلمت حلما غريبا، بل هو كابوس لا أزال أذكر تفاصيله جيدا، كنت أشاهد التلفاز كعادتي، أمامي طبق من الفشار المسكر وعلبة عصير كبيرة، كنت مندمجة تماما مع الفلم قبل أن أسمع صراخا باسمي يناديني، فخرجت على هيئتي تلك، أرتدي بجامة طويلة ولا أضع شيئا على رأسي، عندما خرجت إلى الشارع صدمت بما يجري، كان العالم كله في الخارج، عائلتي وجيراني وجميع سكان الحارة، ولم تكن صدمتي بسبب ذلك، بل لما يحدث في السماء، كانت هناك دوامات ضوئية تتشكل فوق رؤسنا، وكأن أحدهم يرسمها رسما، تحولت السماء إلى اللون الأحمر الدامي، وكانت هناك عاصفة رملية تحيط بالكرة الأرضية من كل الجهات، كان الجميع في هرج وكأن كارثة حلت على رؤوسهم، وأي كارثة كانت؟
اقتربت من أمي وإخوتي وسألت بصدمة
ماذا يجري للعالم؟
التفتت إلى أمي وعلامات الفزع تسيطر عليها قائلة: إنها القيامة.
شعرت بالأرض تميد من تحتي وأن صاعقة من البرق سقطت فوق رأسي، ابتعدت عن أمي مفزوعة وكأنها وحش يكاد يلتهمني، عدت إلى البيت، وكنت في حالة يرثى لها أبحث عن الأبريق، وما إن وجدته حتى أسرعت أملأه بالماء وشرعت بالوضوء، كانت أطرافي ترتجف من هول ما سمعت، الشيء الوحيد الذي كنت أفكر به هو أنني سأدخل النار وأنني لم أصل المغرب والعشاء، وبدأت ألعن نفسي، والمسلسل التركي والمواقع الاجتماعية والمغنين وأصدقاء السوء.
– لقد فات الأوان يا ابنتي، لن تقبل صلاتك بعد الآن، إنه وقت الحساب لا العمل.
رفعت رأسي أنظر إلى المرأة الموشحة بالسواد التي تقترب نحوي، كانت نفسها المرأة التي قابلتها في المواصلات، تركت الإبريق وأنا أتوجه نحوها لاهثة أترجاها أن تساعدني، لم أكن أريد دخول النار، كنت خائفة بل مرتعبة تماما.
ما الذي فعلته بنفسي هل كان من الصعب أن أمنح لنفسي خمس دقائق لأصلي؟!
استيقظت فزعة أحاول أخذ أنفاسي، وضربات قلبي تكاد تصم أذناي، نظرت حولي كان الجميع من حولي يغطون في نوم عميق، أخذت هاتفي ونظرت إلى الساعة، كانت الثانية صباحا وبضع دقائق، رميت عني اللحاف وخرجت إلى الفناء أبحث عن الإبريق في اضطراب، حتى وجدته توضيت وصليت المغرب والعشاء، ثم جلست قليلا أفكر في حالي وما وصلت إليه.
أعترف أنني مقصرة كثيرا من حيث العبادة، لقد فكرت في الأمر من قبل وفي كل مرة أعد نفسي بالالتزام، ولكن إلى متى، هل حقا أضمن نفسي، ماذا لو مت الليلة، هل كنت سأدخل الجنة؟ بكيت ليلتها كثيرا، بكيت ودعوت الله أن يهديني إلى طريق الحق، ربما كان مجرد حلم عابر إلا أنه ترك في نفسي أثرا عميقا، لا يزال يضطرب له قلبي كلما تذكرته.