ن. م. جبران
تصور الكاتبة تفاصيل الحياة اليومية في مجتمع أنجامينا، الذي بدأ افراده للتو بالانفتاح على العالم. وتعافيهم من آثار الحروب الأهلية والقبلية، وتحاول ملامسة واقع المرأة، التي تعاني من التهميش والاضطهاد، واستغلال أنوثتها باختزالها في دور الزوجة/ المحظية، الابنة المطيعة والأم الخاضعة. تحاول الكاتبة فيها رسم أحلام المراهقة المبتورة، بسبب العادات والتقاليد والأعراف السائدة، وما يليها من حالة ضياع للهوية، وذلك من خلال قصتي حب وحرب.
تعيش أم أبوها آثارها، وعاشتها فاتي أو باتريسيا، الممزقة بين هويتيين – جنوبية بملامح شمالية- وديانتيين – مسيحية من أم مسلمة، والتي تعاني من نبذ أهل أمها لها، وأختلافها عن أبناء عمومتها من الجنوب، تختلط عليها مشاعرها وأفكارها، بسبب اختلاط عرق أبيها الجنوب بعرق أمها الشمالية التي حملت بها خارج إطار الزواج والعرف، فكان العار هو ثمن جمال وطمع ونزوات أمها، والذي تدفعه فاتي / باتريسيا، في محاولة من الكاتبة لمناقشة أفكار من قبيل: الأنوثة، ونظرة الرجل للمرأة كجسد، وعلاقة المرأة بالرجل، في مجتمع أبوي، والعلاقة مع الذات والآخر، في بلد تتعدد فيه الهويات، ويشهد العديد من النزاعات والصراعات القبلية والطائفية.
تحاول الكاتبة تجسيدها عبر شخصيات: كطاهر الشمالي المتعصب لانتمائه القبلي، والحاقد على الجنوبين، بسبب احتكارهم للسلطة وتلويث عرقه النقي وشرفه من قبل قيام أحدهم بانجاب ابنة غير شرعية من وراء طيش أخته، نرى في هذه الرواية صورة، المرأة العاشقة والمتمردة، المراهقة الحالمة والأنثى الطموحة. الزوجة الجاهلة واليائسة التي تلجأ للشعوذة من أجل التأثير على مشاعر زوجها، والفتاة اللعوب التي تخسر نفسها، وأسرتها وسمعتها، والكادحة التي تضحي بزهرة عمرها من أجل إطعام أبنائها، وسعيها للمحافظة على بيتها، على استقرار زواجها الهش، الشبيه بحال معظم دول العالم الثالث، من استغلال وتهميش واستبداد واضطهاد. والخ.
تصور الكاتبة العلاقة الزوجية وحالة التملك والأسر. وغياب الحب، في ظل الجفاف العاطفي الذي يعيشه الأزواج فيما بينهم، وحالة الأَسر التي تعيشها المرأة، شعورها تجاه زوج يعطيها حسب ما يمليه عليه مزاجه. وحال العلاقات العاطفية التي تتحطم تحت وطأة التقاليد، والفروقات الاجتماعية والطبقية،وأيضاً نرى صورة الرجل ذو الحضور المزدوج، والشخصية المتقلبة ما بين الليل والنهار، والحب والحرب، الضائع والباحث عن ملاذ يسكن إليه.
والمتمثل في الثروة والسلطة والجنس، وهناك أيضاً صورة لواقع المجتمع بحسناته وسيئاته، سواء أكان مجتمعاٍ ريفياً بسيطاً، أم كان مجتمعاً متمدناً يضم مختلف الأطياف، عبر هذه الصور تحاول الكاتبة أن تتناول قضايا اللغة والهوية وأثر الحرب والاستعمار على الشعوب.
على صعيد الأحداث والشخصيات، لم ينجح النص في الوصول إلى القارئ/ المتلقي والتأثير عليه، فالأحداث تفتقر للحبكة، والأفكار والمواضيع لم تتوافق مع بنية النص السردية، وقد تم تناول المواضيع والقضايا دون معالجة أدبية، فقط سرد فيه الكثير من التقريرية والحشو، مما جعل الأمر أشبه بالقراءة في كراس مدرسي، أو مذكرة جامعية، بسبب ذكر الكثير من المعلومات التاريخية داخل النص الروائي، وشخوص الرواية بدت مصطنعة، ومتكلفة في بعض الأحيان، لا يوجد ما يميزها كشخصيات روائية، وهي غالباً ما تفتقر إلى الدافع لاتخاذ مواقف تؤثر على مجريات الأحداث.
فشخصية “جدو” على سبيل مثال والتي وصفتها الكاتبة بمحرك الأحداث، لم يكن أكثر من مجرد شاب مثقف في مخيلة فتاة مراهقة، لم يكن بطلاً بالمعنى الأدبي في القصة، فدوره ثانوي في جميع فصول الرواية، ووجوده لم يضف أي شيء للنص، وإذا أتينا للبطلة أم أبوها نجدها عادية لدرجة مملة، لا تملك صفات الشخصية الأدبية، التي تدفع القارئ لاتخاذ موقف تجاهها، سواء أكان بالتعاطف أو أي شيء آخر.
ولا تترك أي انطباع لدى المتلقي، حتى خياراتها لم تكن بتلك القوة أو بالصدق والعمق الكافي لإقناع القارئ. فقرارها بإنهاء علاقتها بجدو لم يكن قراراً يمكن وصفه بالشجاع أو الحكيم، لذا بدت عادية ومملة لدرجة السذاجة، فالشخصيات لا يوجد فيها أي شيء مختلف يدفع القارئ للتأمل بشأنه، باستثناء فاتي/ باتريسيا، التي استطاعت الكاتبة من خلالها أن تضع القارئ أمام موقف خارج عن المألوف وصادم نوعاً ما، يدفعه للتساؤل بخصوص الهوية والانتماء، وعلاقة الأنا بالآخر.
وحدود العلاقة بين الرجل والمرأة. ودور المرأة ليس فقط في المجتمع، بل في صناعة التاريخ، فهي شخصية استثنائية تستحق أن تكون محور النص الروائي، وركيزته الأساسية، لكن للكاتبة رأي آخر، بتصديرها قصة حب أم أبوها لجدو داخل السرد الروائي، والتي لم تحدث التأثير المطلوب سواء على صعيد السرد أو الفكرة، فلم تكن في القصة أي شيء استثنائي أو مختلف، فهو حب المراهقة الذي ينتهي بالزواج. أو الطلاق لأسباب عادية، لم يكن حب أم أبوها لجدو هو الحب الحقيقي، بقدر حب فاتي/ باتريسيا لحكي، الذي تحدى التقاليد والأعراف، وحاول إزالة الفوارق الاجتماعية. وحاول أن يصمد في وجه القدر، ويثبت أن الحب قد يكون أقوى من أي سلطة وأي جيش.
إن رواية أم أبوها لم تقدم شيئاً جديداً للأدب التشادي المكتوب باللغة العربية، والكاتبة لم تقدر أن تخرج من إطار الصورة النمطية للمرأة الكاتبة، أو إطار التجربة الذاتية، بالرغم من جرأتها، وتجاوزها للعديد من الحواجز وكسرها للقيود، وبالرغم من توجهاتها النسوية. لم يكن النص نسوياً بما يكفي، حتى لو كان هناك أي انتصار للمرأة، فلم يكن كافياً ليكون مرشداً أو ملهماً، أو حتى محفزاً من أجل التغيير، فهو في النهاية نص غير متكامل، فرضت فيه الكاتبة رؤيتها الشخصية للواقع على متن النص وهوامشه.