حوار: ن. م. جبران
تتحدث الكاتبة سعدية مادرشي بإنفتاح عن الحياة، ذكريات الطفولة وسنوات المراهقة. تجارب الحب والزواج والطلاق. وعن الصداقة وأهمية وجود الأصدقاء، بحانب وجود العائلة. وتجربة الكتابة، في هامش حرية التعبير. ومحاولة الخروج عن المألوف. والتعرف على الذات، عبر القراءة والكتابة والسفر.
ما هو النص الذي تريدين كتابته، (نص يمثلك كسعدية)؟
لا يوجد هناك نص واحد أريد كتابته، لدي أفكار لنصوص كثيرة أرغب بكتابتها، ولكنها لا تمثلني، فالنص الذي يمثلني كسعدية بحاجة إلى الوقت لكتابته، وإلى النضج، والنظر للوراء بمنطقية وواقعية، وبهدوء، أما الآن فهناك تهور وغضب، فيستحسن عدم كتابته. خصوصا لو كان النص يتحدث عن حياتي أنا.
لكن غالبية القراء – خصوصاً أولئك الذين قرأوا أم أبوها – يقولون إنك تقتبسين كثيراً من الواقع ومن الأشخاص الذين من حولك!
ممكن! من الناس من حولي من الحياة وقصص الواقع، قد تكون القصة مقتبسة، لكن بهارات الخيال تكون مني أنا، فأنا عندما أكون جالسة مع الناس أو في مناسبة اجتماعية واسمع عن موضوع ما يكون الأمر كالإلهام، وأقوم بالكتابة عن ذلك الموضوع بطريقتي الخاصة، فأنا أكتب بطريقة مختلفة تماماً عما سعمت وعما عرفت.
وكأنك تعيدين كتابة الواقع؟
تقريباً! لا أملك شيئاً يكون خيالياً بشكل بحت، من اللازم أن يكون الأمر واقعياً فالشرارة الأولى للقصة لا بد من أن تكون من الواقع، ومن الممكن أن يختلف الأمر بعد ذلك، قد أكون أضفت إليه الكثير، أو نقصت منه الكثير، أو قمت بالتعديل والتحسين. لكن الشرارة الأولى دائماً ما تكون من الواقع.
كأن الأدب بالنسبة لك امتداد للواقع؟
طبعاً!
ألا يجب أن يكون واقعاً موازياً؟
واقع قمت بإعادة صياغته، فالفكرة تظل كما هي، لكنني أقوم بتقديمها بشكل مختلف. مثلاً أقوم بوضع نفسي في مكان الشخصية داخل القصة، فأتساءل: لو حصل لي نفس الأمر، كيف سأتصرف تجاهه؟ وردة فعلي كيف ستكون؟ وبناء على هذا أكتب.
من أي منطلق تكتبين؟
أكتب من منطلق الالتزام بقضية معينة، تمسني كإنسانة، وأحياناً من منطلق مزاج بددته بالكتابة والقراءة، ولا أكتب من منطلق التجربة الذاتية، لأنني أرى أن الوقت ما زال مبكراً كما قلت سابقاً.
كيف هي الحياة معك كإنسانة متحررة.؟
أنا أم أبوها، بالمعنى المتداول للكلمة، ابنة العاصمة المتحررة والمنفتحة، وغير التقليدية، طموحاتي تتجاوز الحدود النمطية للمرأة ” زوجة وأم فقط ” .. أرغب بفعل أشياء أكثر من هذه، لكن الحياة مكلفة، سيتحطم قلبك، وستخسر أشخاصاً، فالناس سيتخلون عنك، ليس بسبب جوهرك، لكن لكونك تضيء ما حولك، وتحقق أحلامك، وتفعل ما تريد، وهذا أمر مزعج بالنسبة لهم، ولسان حالهم يقول: “كيف تجرؤ؟”بالرغم من أنني لا أرى نفسي جريئة، بل حقيقية، أو كما تقول نوال السعداوي: ” لست جريئة، ولكنني أعيش في عالم جبان.” فأنا أعيش في عالم جبان، لا يقبل هذه الجرأة، وهي ليست بجرأة في الحقيقة، أو ظهور بنفس اللون أو الوجه، أنا كما أنا! كما أرغب، وكما أريد وأطمح، وأنا أتصرف كما أؤمن، مستعدة أن أخسر في سبيل أن أظهر كما أنا، بعيوبي وأخطائي، وماضي وحاضري، وتحرري! وطموحاتي وبكل شيء، فلست إنسانة كاملة. ولدي الكثير من الأشياء التي لا أن أخبئها، أريد أن أعيش كما أنا، فأنا أريد أن أكون إنسانة صادقة.
ما هي تصوراتك عن ذاتك؟
امرأة ذكية، قوية؛ وأنا مولعة بي.
أية أغنية تمثلك؟
أغنية نيكول سابا: أنا طبعي كدة
🎶عايشة سني وبغني وبحب الحياة
البي عايش سنينو وحياتو بهواه
باعمل اللي بحبو باحسو أكيد
ثانية ثانية يا دنيا حاعيشك أنا🎶
لو كانت حياتك فيلماً، فماذا سيكون (دراما – كوميديا – رومانسية)؟
دراما حتما؛ تزوجت في سن صغير، أنجبت وطُلقت بعد فترة قصيرة، رفضتُ رفضا شبه تام كل ما هو مألوف في المجتمع، بحثت دائما عن الحب، والمعرفة، والذكاء، فضولي جارف، وحب الاستطلاع عندي شرس، ملتُ للنسوية ونبذت الذكورية، غادرتُ المدينة وعشت في قرى بمفردي، كتبتُ دون مجاملات أو تنازلات وقلتُ ما أريد. تفاصيل تصلح لأن تجعل من حياتي دراما مثيرة..
ما هي أبرز ذكريات الطفولة؟
في طفولتي المبكرة كنت طفلة كثيرة الحركة، لا أستطيع البقاء ساكنة إلا بعد ربطي من قدمي، كان ذلك في السعودية، عدنا لا نجمينا، ووجدتُ أنني وحدي في الشارع، كوني الطفلة البكر، فتعرضت للتنمر في الحارة وفي المدرسة، كنتُ أدرّس الأطفال في الخلوة، لأنني الأدق حفظا، ثم يحرمون علي الخروج بعدها إلى الشارع لأيام، وفي المدرسة كنت الأشطر في الحساب، وكانت الكنبات لا تكفي لعدد الطلاب آنذاك، فتأتي معلمة الحساب وتجلسني على الكنبة، ثم تغادر الفصل وأخوات زميلاتي الأكبر يأتين بعدها ليجلسنني على البروش (الحصير) انجمينا روضت شقاوتي في الطفولة، حتى بلغت المراهقة واستعدتها فيما بعد.
بماذا قضيت سنين المراهقة؟
كنت أهوى الموسيقى، ومشاهدة المسلسلات، ودائما كانت الدراسة عندي في المرتبة الأولى، ولكن في أوج المراهقة أهملت التعليم قليلا، وحصلت على الترتيب التاسع في الفصل بعد أن كنت أحصل على الترتيب الأول، كانت تلك جريمتي النكراء في المراهقة، حُرمت بعدها من الراديو، ومن التلفاز، واستعدت مستواي، ثم تزوجت بعد ذلك بسنة. وصديقاتي كن أهم أشخاص في حياتي آنذاك.
في ماذا وجدت ذاتك؟
القراءة هي شغفي الذي لا يخبو، رؤية الكتب تبهجني، والإنسان القارئ يثير إعجابي. القراءة تجعلني أشعر بالامتلاء، والجدوى، والقيمة. أنا أكبُر في عيني، وأقدّر نفسي، بقدر ما أقرأ، وأفهم، وأستكشف.
ما هي أسس الصداقة برأيك؟
الراحة المطلقة، فالصداقة هي الشاطئ الذي نتمدد ونرتاح عليه، بعد سباحة مرهقة في بحر العائلة، والحب، والعمل، والحياة.
حديثينا عن مامي؟
مامي هي صديقتي التي التقيت بها في الجامعة، كانت فتاة حيوية للغاية، مرحة وطفولية، لم تأخذ شيء على محمل الجد، وكانت لديها جملة ترددها كثيرا: ” دنيا عنده شنو ” كما لو أن ذلك تنبؤ عن عمرها القصير، تحب الأكل، ولا يمكن أن يكون ثمة مطعم في أنجمينا لم تكتشفه هي، أنا عندما أكون معها تؤثر علي فأتحول إلى طفلة مرحة ومشاكسة مثلها، شاغبنا كثيرا في الجامعة، وفي الشوارع.
رحمها الله وغفر لها.
ما الثمن الذي دفعتيه مقابل الحرية؟
حتى الآن أظن أنه قلبي!
غالباً ما تتبعين قلبك أم عقلك؟
قلبي! وهذا ما يورطني.
كيف كانت أول قصة حب؟
كالإعصار، حادة، عنيفة، وكادت أن تجرفني..
ما هو الحب الحقيقي؟
الطاقة التي تدفعنا للانطلاق وتحمل مطبات الحياة.
العواطف الجياشة التي ترققنا
الهبة التي نغفر من أجلها جل مساوئ الحياة..
الألم الذي يطهرنا..
التوق الغامض الذي يجرفنا..
المعاناة التي تعرينا..
هل يجوز أن نختزل الحب في شيء ما، كالقصص والأغاني والأفلام والمسلسلات والمسرحيات؟
لا يجوز اختزال الحب في أي شيء مهما كان، الحب يُعاش، يُذاق، ولا يمكن فهمه أو استيعابه دون الغرق فيه ومعايشة تقلباته، ومكافحة أمواجه.
ما هي الأنوثة برأيك؟
الجمال الكامن في التفاصيل الصغيرة.
وما هي أبعاد الأنوثة؟
العاطفة الجياشة! فنحن النساء لا نتهم كثيراً بالجانب العلمي أو المادي للأمور، بل
بالمردود العاطفي، وتأثيره على حياة الناس.
ما هو الدور الوجودي للأنثى؟
دور الأنثى الوجودي هو كدور أي إنسان في هذا الوجود، وهو أن يأتي إلى هذا العالم ويجعله مكاناً أفضل مما وجده عندما أتى، يجعله مكاناً صالحاً للحياة والحب، للنمو والحرية، وهذا دورنا جميعاً كبشر، أنا لا أؤمن بفكرة أن للأنثى دور معين تلتزم به، وللذكر دور معين يلتزم به، كلنا نأتي إلى هذا العالم وبنا طاقات وميول، تجاه أشياء ومجالات محددة في الحياة، ونحاول أن نحسن منها، فكل واحد منا يحاول أن يحسن في مجاله، ويؤثر ويغير، ويمضي.
بماذا تصفين الزواج؟
أنا من الذين يشجعون الناس على الزواج، وعندما يحين دورهم يتنحون جانبا، أنا أؤمن أن الزواج يمنحنا التوازن النفسي والجنسي؛ ويحقق نزعتنا في التكاثر، لكنني أؤمن أيضا بعد تجربة شخصية، أن الزواج التقليدي يدمرني أكثر مما يفيدني، لا أصلح للزواج الذي يخلو من التوافق الفكري والعاطفي..
في صالح من كان قرار زواجك؟
طليقي رآني أولا، وطلبني للزواج من أبي، أبي وافق على عرضه، أنا وبعد أن علمت أنني سأتزوج، لم أرفض لم أقل شيئا.
هل ساهمت تجربة الزواج في إعادة تشكيل كيانك؟
ساهمت تجربة الزواج في اكتشافي للواقع الذي كنت كفتاة حالمة أجهله تماما.
قبل الزواج، كنتُ ابنة أبي المدللة نظرا لتفوقي في الدراسة، وكان أبي النموذج الرجالي الوحيد الذي احتككت به، لأن اخواني الصبيان يصغرونني بعشر سنوات، وأبي رجل متواضع جدا، يساعدنا في شؤون المنزل، يملأ الدواوين بالماء إذا عاد ووجدها فارغة، وهو من يكسر لنا عظام الخروف بكل تواضع حين نذبح في المنزل.
لكن حين تزوجت، اصطدمت بالواقع الذي يجعل مني مخلوق درجة ثانية لأنني امرأة مهما كانت مميزاتي، وينتظر مني أن أبجل الرجل لأنه مخلوق درجة أولى، بغض النظر عن مساوئه.
هل كان الطلاق بداية جديدة بالنسبة لك؟
كان بالنسبة لي الحل لعلاقة خاطئة ما كان ينبغي أن تبدأ من الأساس، ووجب تصحيحها به.
كيف واجهت الواقع؟
واجهت الواقع بالعناد، لن أتزوج بسهولة مجددا أيها الواقع، وواجهته بالتحدي، أنا مطلقة أيها الواقع، ولن أخجل من ذلك، شئت أم أبيت.
بماذا تتلخص تجربة الزواج والطلاق عندك؟
تجربة فاشلة أثمرت طفلا رائعا.
كيف هي علاقتك الآن مع زوجك السابق؟
لا يوجد شيء يجمعني به، سوى ابننا.
ما تأثير الأمومة على شخصيتك؟
حس المسؤولية والحنان المطلق، اكتشفتُ حجم الحنان الذي يمكنني أن أزود به إنسانا، وتذوقت معنى أن ترى قلبك حيا يدب على الأرض..
ما هو الشيء الذي يميز علاقتك مع ابنك؟
أظن أنها الصداقة، ابني يعاملني بأريحية كبيرة، ويخبرني عن كل مخاوفه، وأسئلته الوجودية، وأنا أشعر – ككل الأمهات – أن ابني طفلا فريدا للغاية، وستتأكدون من كلامي لو أنكم تعلمون مدى تركيزه وأسئلته الدقيقة.
ماذا تريدين من ابنك أن يكون؟
أنا أعطيه الحرية ليكون ما يريده هو، وإذا سألته ماذا تريد أن تكون يرد علي: الله يعلم.
وتتحدث مادرشي عن مشوارها الأدبي، الذي بدأ عبر الكتابة على صفحتها الشخصية على موقع الفيس بوك، من خلال قصص قصيرة، تتناول قضايا المرأة التشادية. وفيها تصوير لمواقف تعيشها النساء في مختلف نواحي الحياة الإجتماعية. ومعالجة الواقع من وجهة نظر أنثوية. والذي استمر وتطور حتى صدور عملها الأول. لم تشهد الساحة الثقافية العربية في تشاد انقساماً حول عمل أدبي، مثل الانقسام الذي حصل حول رواية أم أبوها. هذا الانقسام الذي كشف مدى هشاشة المجتمع، ومدى خوفه من الكلمة المكتوبة. والأفكار التي تثبت حقيقة أنهم ليسوا بشياطين أو ملائكة، بل مجرد بشر. وكشف أيضاً عن حالة من الازدواجية يتعامل بها الناس مع ذواتهم ومع الآخرين. وسوء الفهم في علاقة الناس مع الكاتب/ الفنان. والازدواجية في التعاطي مع مواضيع السياسة والدين والجنس، والفن والأدب، والحياة. وعن الوصاية الفكرية والأخلاقية.
بأي مزاج كتبتي أم أبوها؟
كتبت أم أبوها أولاً من باب التعاطف، ثم محاولة التفهم والتقبل، عن طريق معرفة الأسباب والظروف التي ساهمت في تشكل ظاهرة منع الفتيات من التعليم، ويجب علينا ألا نحكم على هذه الظاهرة، مهما كانت سلبية، كنت أحاول أن أنظر للقضية من وجهة نظر المعنين بالقضية، فأنا كنسوية مثلاً أنظر للموضوع بغضب وأنه يجب محاسبة الأشخاص المتسببين بهذه الظاهرة، لكن حين ننظر للموضوع من زاوية أقرب، نرى أننا لا نستطيع فعل الكثير لتغيير الوضع، وأننا سنخسر الكثير في سبيل كسر الحلقات المفرغة، لأنه لا يوجد صوت يمكن أن يصل إلى ضمير المجتمع، لهذا قامت أم أبوها بتخييل فاتي، تلك الفتاة المتمردة والتي واجهت الجميع في سبيل من تحب. على عكس أم أبوها التي قمت بوصفها بالمملة والسذاجة، في انطباعاتك التي كتبتها.
هل قمت بكتابة النص لأجل إيصال رسالة، أم لمجرد التعبير عن وجهة نظر ما؟
لم أكن أريد التعبير عن شعوري من خلال النص، أردت إيصال رسالة للفتيات اللواتي تم منعهن من إكمال التعليم، مفادها ألا يستسلمن للأمر الواقع، ويحاولن تثقيف أنفسهن من خلال شتى الوسائل، وأيضاُ أردت من الناس الآخرين أن يتعاطفوا مع القضية، والنظر لحال تلك الفتيات.
من هي سعدية قبل وبعد أم أبوها؟
سعدية قبل أم أبوها كانت تأمل بأن تصبح كاتبة، سعدية قبل أم أبوها كانت غير مرئية تقريباً، أو مرئية في وسط معروف، لكن بعد أم أبوها أصبحت كاتبة واشتهرت. وبدأ الناس يتساءلون عم من هي، وعن ماضيها، وعن حياتها، وما إذا كانت هي أم أبوها أم لا؟ وكأنهم أحاطوني في وسط دائرة وكل شخص يسلط علي ضوء كشاف. هذا يريد أن يعرف عني كذا، وذلك يريد أن يعرف هذا، وذاك يستفسر، وذاك يسأل، وذاك يشتم، وذاك يعجب.
خلال شهر واحد خرجت للأضواء، من حياة عادية، ومحيط معروف، كان لدي قراء متابعين لما أكتب، ومعتادين على أسلوبي في الكتابة، ويعرفون أن سعدية تكتب سطوراً عن الجنس، ويعرفون أن سعدية مطلقة مثلاً، وتكتب عن الحب! يعرفون كل هذا من خلال ما أقوم بنشره على صفحتي في الفيس بوك، لكن أم أبوها جعلتني في مواجهة مع أناس لم يعرفوني من قبل، وأنهم تعرفوا علي من خلال الرواية فقط. وأصبحت الصحافة من هنا، والإذاعة والتليفزيون من هناك، فبدأت أشعر بما يشبه الحصار.
سابقاً كنت جداً عفوية، والآن صرت أتصرف بحذر شديد، مما جعلني أتقمص شخصية كنت أنتقدها فيما مضى، شخصية فيها الكثير من المراوغة والتصنع، والاختباء. سابقاً لم يكن لدي ما أخفيه عن الناس. أما الآن! فمساحتي بدأت تضيق. وحريتي في التعبير أيضاً، صرت أتصرف بحذر شديد، فبسبب الرواية، بدأ الناس بإساءة الظن تجاهي، وتجاه حياتي.
أصبحت مضطرة للتصرف عكس ظنونهم السيئة، ومضطرة لأثبت لهم خطأ ظنهم بي. إنني أتمنى لو يتركونني على سجيتي، حتى أعرف إلى أين سأصل.
قبل أم أبوها كنت لا أتحكم بانفعالاتي، وكنت عصبية جداً، وأرد الصاع بالصاع، ولا أسمح لأي شخص أن يقول لي أي شيء، دون أن أرد عليه، ولكنني كنت أتمنى أن أكون حليمة، وأن أكف عن كوني عصبية، وأتحكم بانفعالاتي، لكن الضجة التي حدثت بعد رواية أم أبوها، جعلتني أعرف كيف أتحكم بأعصابي، وأكون شخصاً حليماً، حتى أنني كنت أتمنى أن أكون “حليمة السعدية” صار باستطاعتي التحكم بانفعالاتي، والتعامل بحلم مع ردود الأفعال، حتى أنني أصبحت حليمة من غير سعدية، في حين أني كنت آمل أن أكون حليمة السعدية.
ما هي السعادة برأيك؟
ألا أكون مجبرة على فعل شيء، الآن أشعر بالسعادة، بغض النظر عن الخسارات، لأني فعلت ما أريد، وقلت ما أريد، من غير ضغط، ومن غير تراجعات أو تنازلات، فمنذ أن عرفت نفسي وأنا أمشي حسب اختياراتي، وإذا حصل أمر ما لم اختره بناء على رغبة مني، أتراجع عنه، لأنه عكس رغباتي، وأغيره بأخذ قرار بنفسي.
هل ترين نفسك حكمية أم شجاعة؟
الحكمة درجة آمل أن أبلغها قبل موتي، أنا إنسانة مندفعة، سريعة ، أتخذ قراراتي بنفسي وأدفع ثمنها، أحب المواجهة، ولا أطيق الجبناء الذين يتوارون في ساعة الجد،أظن أن هذه الصفات تدل على أنني شجاعة.
ماهي أبرز مخاوفك؟
أن أظل وحيدة!، فأنا ممن يحبون تكوين عائلة، وإنجاب طفلين أو ثلاثة، لكن أسلوب الحياة الذي اخترت أن أعيشه يمكن أن يؤثر على رغبتي بالزواج والأمومة، وأنا كأي امرأة لدي حلم بالزواج وتكوين عائلة، لكنني لا أحلم بزواج تقليدي، بل بشيء مميز وفريد، وفيه لمسة عصرية، وحب وتفاهم، وأسوأ مخاوفي ألا يتحقق هذا الحلم، لكن وجود ابني الآن، وتجربة زواجي السابق، يخففان من مخاوفي قليلاً، لأني عرفت ماذا يكون الزواج.
وبالرغم من كل شيء استمرت سعدية مادرشي بالكتابة. من اجل التعبير عن هموم ومشاكل الواقع، وفي سبيل معرفة الحق من الباطل، فالأديب ليس بواعظ أو مبشر، والكاتب هو فنان تكمن مهمته في تصوير النفس البشرية الأمارة واللوامة المطمئنة. وتجسيد المشاعر الإنسانية المختلفة. والحديث عن المسكوت عنه، دون خوف، ودون محاولة تجميل الواقع بأسلوب وعظي أو تبشيري. وتحقيق الغرض من الأدب، وهو التأمل في الذات، دون محاكمة أو تبرير، وقبول الألم والنقص. وفهم الواقع، من أجل الوصول إلى حالة من التسامح والرضا. وفي تشاد لم تتعرض رواية عربية لموجة انتقادات، مثل ما حصل مع رواية أم أبوها. وحين نقول انتقاد فنحن لا نقصد النقد الأدبي القائم على رؤية موضوعية للأفكار المطروحة في ثنايا النص، سواء أكان النص روائياً أو شعرياً. بل المقصود هو محاولة النيل من النص ومحاكمته، واتهامه بالفساد الأخلاقي، دون وعي فني، ودون إدراك بأن النص مجرد عمل أدبي، يصور الواقع بحسناته وسيئاته.
من أين تبدأ حرية التعبير، وفي أية حدود تقف؟
أنا أرى أن حرية التعبير تبدأ حينما يقرر الشخص قول شيئا ما في العلن، ولا يجب أن تكون هناك حدود، طالما أن الشخص مؤمن بما يقول، وعلى الإنسان أن يقول ما يؤمن به، لكي يعرف ما إذا كان صائباً أو خاطئاً، كما يقول المثل: (إذا خفت فلا تقل، وإن قلت فلا تخف!) بالنسبة لي بما أنني قررت القول، فلا أريد أن أخاف، وبالطبع هناك الكثير من الحدود التي تعيق حرية التعبير لدى الفرد، كالحدود السياسية والدينية، والأعراف والتقاليد، التي لا بد من هدمها، خصوصاً الحدود الاجتماعية، فالأعراف والتقاليد تم وضعها من أشخاص عاشوا قبل مئات السنين، ومن غير المعقول أن نتفق معهم في كل شيء، ونعيش حسب رؤيتهم للأمور، وحدودهم والتزاماتهم، ولا يمكن هذا أبداً، لا بد من أكون متجددة، حتى أتمكن من فتح أفق جديد، لمن سيأتون من بعدنا.
كيف تعاملت مع الإخفاق الفني لرواية أم أبوها، بالرغم من المبيعات الهائلة؟
بالطبع كانت هنالك مبيعات هائلة، فالرواية لفتت الأنظار، وحظيت بالاهتمام، وهذا ما دفع الناس لشرائها، وإلى الآن لم أرى أي إخفاق، لكي أتعامل معه، أنا الآن أتعامل مع زهو الانتصار، وكيف لا أتأثر به، حتى لا أصاب بالغرور أو أمتلئ بالخيلاء، وأبدأ بالتباهي، وهذا ما أتعامل معه الآن، فلست مؤمنة بوجود إخفاق فني تام للرواية، بالنسبة لي الرواية نجحت، فالقراء أثبتوا لي هذا من خلال رسائل الدعم والمحبة والإعجاب، ولم يخرج أحد وقال إن الرواية أخفقت فنياً، أنت فقط من قال هذا، وأنا لا أقتنع برأي شخص واحد.
ما تأثير النقد على الكتابة؟
منذ بدأت الكتابة تحدثت عن الكثير من المواضيع، وفي كل فترة كانت هناك موجة من الانتقادات، واتهامات بالسرقة الأدبية، ولكن النقد أضاف الكثير لمسيرتي الأدبية. وجعلني أكتشف من أكون، أذكر أنني بدأت مشوار الكتابة مع أخريات غيري كثر، لم يستمررن، وإلى الآن لا يوجد لهن أي أثر في الساحة الأدبية، بسبب النقد، لكنني استمررت وتحملت وواجهت وصمدت وكافحت، ولا زلت، وما تعرضت له من هجوم وشتائم، ونقد غير بناء، أثبت لي أنني أسير على الدرب الصحيح.
وماذا عن نقد الذات؟
إن أكثر نص قرأته في حياتي، هو مخطوط روايتي أم أبوها، لأنني كنت أنقد ذاتي كثيراً، كنت أحذف من هنا وأعدل من هناك، أضيف هذا الأمر، وأطور وأحسن ذاك، فبعد الانتهاء من الكتابة تحولت إلى قارئة، وانتقدت نفسي بقسوة، ولم أعد لقراءة الرواية بعد نشرها، لأنني متأكدة أنني سأجد الكثير من الأمور التي لن أكون راضية عنها في النص، أنا أنقد ذاتي حتى أكتب نصاً يمثلني وأفتخر به.
ما رأيك بالانقسام الذي حصل في المجتمع حول رواية أم أبوها؟
من المستحيل أن نتفق على جودة شيء ما، أو رداءته، مهما حدث، ومن الطبيعي أن ينقسم الناس، بغض النظر عن سبب انقسامهم ونواياهم، من المستحيل أن نتفق، المهم هو أن نتقبل اختلافاتنا وانقساماتنا، نحن أتينا إلى هذه الدينا من أجل أن نختلف مع بعضنا البعض، كما تقول الآية الكريمة: (ولولا دفع الله النَّاسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، وكما يقول المثل: (لو لا اختلاف الأذواق لبارت السلع).
هل ردود الفعل ستكون نفسها لو تم نشر رواية أم أبوها باسم رجل؟
مستحيل!
ماذا عن الوالدين والأخوات؟
بالنسبة لأخواتي فقد قرأن العمل، كان الأمر عادياً لهن، ولكن إحداهن وهي طالبة لغة قالت إن روايتي لا بد من أن تخرج من تنصيف الروايات الإسلامية، ووالدتي لم تقرأ العمل. ولا أشجعها على قراءته.
كيف هو تعاملها مع ابنتها المتحررة والنسوية؟
هذه صفاتها، فهي نسوية، لكنها لا تعي كونها كذلك، وهذا لا ينطبق عليها وحدها، بل كل نساء العائلة نسويات، لدينا ذاك الاعتزاز الذي لا يقهر بالنفس، وكلنا غير متقبلات لفكرة الحياة العادية، وإذا حاول أحد إهانتنا نقف كلنا في وجهه، وجميعنا لدينا نفس الصفات، وشخصياتنا متشابهة، لكن الفرق هو أني تثقفت واختبرت، وتجولت وخرجت وأتيت، وعملت هذا وقلت ذاك، هن درسن، لكنهن لم يتثقفن ولم يقرأن الكتب كما أفعل، وإلا فلنا نفس الآراء، بالنسبة لهن النسوية أسلوب حياة، وبالنسبة لي أصبحت هوية.
وكيف هو الوالد؟
هو ليس نسوياً، ولكنه يدعم المرأة، في حياته كلها لم يفرق بين الولد والبنت، وبالرغم من أنه لم يتعلم، فهو يدعم التعليم؛ بسبب أنه لم يحصل على فرصة ليتعلم، وهذا ما سبب له ما يمكن أن نسميه وجعاً، فحاول أن يعوض عن نفسه من خلالنا نحن، فهو مهتم جداً بالتعليم، وقد ملأ حياتنا بالهدايا التي تلقيناها، لقاء تفوقنا الدراسي.
هل بدأت بكتابة عملك القادم؟
لا! ما زلت أفكر فيه، وبانتظار الفكرة، لكي تنضج وتتضح، حتى لا أكتب عن هوى أو مزاج، فأنا أكتب عن مواضيع تمس واقع المجتمع، لذا وبعد جمع الأفكار والبحث عن المواضيع، سأبحث عن حبكة – بالأخص تلك الحبكة التي أنت لم تعترف بوجودها في أم أبوها – والأسلوب الفني المناسب لها.
سيكون عن ماذا؟
سأخبرك عن ماذا سيكون النص القادم، لكن لا تقم بنشر ما سأخبرك به، فأنا لا أريد لأحد أن يعرف شيئاً عما أكتب، حتى لا أثير فضول أحد، وحتى لا أتأثر بالأسئلة الكثيرة، أريد الكتابة في صمت حتى أضع نقطة النهاية.
كيف ساهمت الكتابة في تجاوز الاكتئاب؟
أفضل طريقة لتجاوز الاكتئاب هو أن تمنحه الوقت الكافي ليمضي بنفسه كما أتى، لم تساهم الكتابة في تجاوزي للاكتئاب، أظن أن سفري إلى ماسينيا ، مدينة جديدة، بيئة جديدة ، وأناس جدد، له يد في تخفيف ثقل الاكتئاب علي، كنتُ أتمزق في انجمينا وأختنق.
حديثنا عن السفر؟
عندما تجولت في سار، قلت: هذه المدينة تصلح لشهر العسل، ولم أقل ذلك لأي مدينة أخرى زرتها، سار هي أجمل مدينة زرتها، وهي المدينة التي سحرتني وافتتنتُ بها.
لا أكتب أثناء السفر أبدا، لكن تخطر لي أفكار قوية للكتابة، أكتبها بعد وصولي وارتياحي.
السفر متعة شاقة، تكلفك مادياً وترهقك جسدياً، لكنها تضيف لك الكثير، أمضي الوقت بالتأمل، تأمل الطبيعة ، والناس، والحياة ، ونفسي ثم أستمع للموسيقى حتى أتعب، وبعدها أضجر وأتأفف وأراقب الساعة حتى أصل إلى وجهتي.
سأخبرك عن ذكرى طريفة مررت بها أثناء السفر، كنت ذات مرة عائدة من قرية بيلي إلى مدينة دربالي، من أجل الترويج لحملة اقرأ، تحركنا بعد العصر وتوقفنا لصلاة المغرب عند فريك وجدناه في الطريق، وبعد الصلاة اشتكى أحد الركاب أنه مسروق. كان راكبا مع مجموعة فوق مقتنيات السفر الموجودة في صندوق السيارة، أوقفونا جميعا في العراء من أجل أن نقسم بالقرآن ونبرئ أنفسنا، وبعد مشادات طويلة اتفقنا على أن نجمع له المبلغ المطلوب ولا نقسم بالقرآن في الطريق .
ماذا تريدين أن تقولي لوالديك؟
سعيدة لكوني ابنتكم، لو لم أكن ابنتهم هم بالذات، ما كنت لأحصل على كل هذه الامتيازات، صفاتي التي ورثتها من والدتي، والحرية التي منحها لي والدي.
وأخواتك ماذا تقولين لهن؟
فخورة بهن وممتنة لدعمهن.
وتقولين لابنك ماذا؟
هو الشيء الوحيد اللطيف في حياتي، الركن الهادئ والملاذ، هذا هو ابني، ومهما قلت إنني خسرت أو فشلت، فحين أراه أقول لنفسي لدي علي، فقد فعلت ما بوسعي لدي ابن، فوجوده في حياتي يعطيني الطاقة والأمل والطمأنينة.
كان الحوار جميلا حكى الكثير
شكرا سعدية
شكرا جبران