ن. م. جبران
في رواية قاف قاتل سين سعيد لعبدالله البصيص، الصادرة عن دار روايات في العام ٢٠٢٠. يجد القارئ أن الحقيقة والكذب وجهان لعملة واحدة، وجه يحمل الكتابة التي يستخدمها الإنسان ليفسر بها الأشياء. ووجه يحمل صورة ترمز للأسماء. وأي الوجهين هو الأصدق، الصورة أو الكتابة؟ وماذا نحتاج للبحث عن الحقيقة؟ الحكمة أم الشجاعة؟ وهل يمكن اللجوء للكذب، من أجل الوصول إليها؟ ولماذا نسعى للحقيقة بكل صدق؟ هل لأجل الإخلاص لمبدأ؟ وماذا سنفعل لو كانت الحقيقة ستضر بمصالحنا؟ وما الذي سيحدث لنا لو أننا اكتشفنا أن وراء الصور التي نراها، حكايات من الأكاذيب، والكلمات التي نقرأها ونسمعها تزور لنا الحياة، باسم الحقيقة؟
ففي حرارة آب أغسطس الخانقة. وعلى وقع دقات ساعات العمل الرتيبة، يقرر الظابط ماجد إعادة فتح ملف قضية إختفاء سعيد جونكور، التي لم تحل منذ ما يقارب العشرين عاماً، والتي تم إغلاقها لسبب غامض، في محاولة منه للخروج عن رتابة الحياة، فيبدأ بالبحث عن خيوط تربط ما بين الأدلة الموجودة والمفقودة. وتوضيح ما حصل لفهد نشوان بعد اختفاء سعيد بشكل غامض. وعلاقة عمه الراحل الضابط عادل بتلك الحادثة.
يحيل عنوان الرواية القارئ إلى أن البحث عن من الذي قتل سعيد هو موضوع الرواية الرئيسي، وأن سعيد هو البطل، بينما يظهر في السرد بأن الحكاية التي يحكيها فهد نشوان تتحدث عن تجارب سن المراهقة، من محاولة البحث عن الذات، وتجربة الوقوع في الحب. والإفلات من قيود الشر، والعودة لجادة الصواب. والسعي للوصول للحقيقة. حقيقة البشر، عن طريق محاولة فهم سلوكهم تجاه بعضهم البعض. وإلى أي مدى يمكن للإنسان أن يتمادى في الشر وإلحاق الأذى بالآخرين، وتأثير العنف على شخصية الإنسان كفرد في مجتمع يعيش حالة من الاستقرار الهش. والفرق ما بين الخطأ والجريمة، وكيف “أن الخطأ هو سبيل البشر الوحيد للترقي على صعيد الأخلاق والأفكار..”؛ وكيف أن البشر من أجل إرضاء غرورهم، يقترفون أخطاء فادحة، تؤدي إلى تدمير ذوات بعضهم البعض، وهذا ما جعل الضابط عادل يقع فريسة للأنا، أثناء مطاردته لأحد الخارجين عن القانون، من أجل إثبات كفاءته في العمل، والحفاظ على سمعته بين زملاء عمله، ما يدفعه إلى التحايل عن القانون، واستخدام السلطة العامة للقانون، من أجل مصلحة ذاته، التي سيخسرها في نهاية المطاف، بسبب غرور أصابه بالعمى.
وتقوم حبكة الرواية على تأثر الشخصيات، إما ببعضها البعض، أو بالأحداث المتغيرة على امتداد صفحات الرواية، من شخصية ماجد الذي تأثر كثيراً بعمه الراحل الضابط عادل، وشخصية فهد نشوان المتأثر بأصدقاء الحي من ناحية، وبسعيد جونكور واختفائه من ناحية ثانية، وحبه لزهرة من ناحية أخرى. وتدور الحوارات بين أغلب الشخصيات بأسلوب عامي مكتوب باللغة العربية فصحى. ما عكس هوية المجتمع، وعي الشخصيات. بشكل مفهوم للجميع.
يأخذ السرد القارئ إلى حقبة التسعينيات في الكويت، بالتحديد إلى فترة التحرير، حين يعود الطفل فهد مع اسرته إلى أرض الوطن، بعد أشهر من الغزو العراقي للكويت؛ ليجد أن أصدقاء الحي الذين كان يعلب معهم كرة القدم، وتركهم أثناء الغزو قد تغييروا، وأصبحوا يميلون للمشاكل والتسبب في المتاعب، والشجار مع الصبية الأخرين. ليجد فهد نفسه أمام مفترق طرق، بين المضي وحيداً في عالم الطفولة، الذي بدأت معالمه تنهار، ويفقد ملامحه البريئة، أو مرافقة الأصدقاء في دروب الشر. يقرر فهد بعد عدة محاولات يائسة لاستعادة جزء من عالمه القديم، الولوج إلى دروب الشر، ومشاركة أصدقائه في البحث عن المشاكل والتورط في المتاعب، لأجل الحصول على التقدير من الصبية الأخرين. ومن ناحية أخرى يتعرف فهد على سعيد الملقب بجونكر، وهو فتى يعاني من تخلف علقي، تركته أمه أثناء الغزو عند جدته، مع أخيه سعد الذي يعاني من إعاقة تجعله في حاجة دائمة ومستمرة إلى رعاية الأخرين. وتعرفه على زهرة، الفتاة التي تعيش مع أبيها الذي تساعده في عمله في صنع البهارات وبيعها، وأمها التي تعاني من مرض عضال. تلك الفتاة التي صدق في كذبه عن نفسه، فكانت كشعاع الشمس في خراب عالمه، فتتوطد علاقته بها لمدة طويلة رغم قصر حبل الكذب. و أيضاً علاقته بسعيد، التي تتوطد لدرجة الأخوة، بالرغم من تنمر رفاق فهد بسعيد، الذي لا يريد أن يؤذي أحداً. وتستمر حتى يأتي يوم يختفي فيه سعيد، ويجد فهد نفسه متهماً بقتله وإخفاء جثته.
يصور لنا السرد في الرواية كيف إن كل القصص والحكايات، تروى دائماً، من وجتهي نظر مختلفتان. وكل وجهة نظر تحاول أن تروي حقيقة ما جرى، حسب ظروف المكان والزمان. وحسب مقدار قرب صاحب وجهة النظر من الحقيقة، التي تكشف الجانب الآخر من القصة، ذلك الجانب الذي تختبئ فيه كل التفاصيل الغائبة. والذي يفصل بينه وبين حقيقة ما جرى، كثير من الأكاذيب والحيل، والصور الخادعة، والكلمات الزائفة. وتصور أيضاً فكرة الخلود في عالم فان من خلال الكلمات والصور. وعلاقة الإنسان بالصورة، ووجوده المرتهن بالكلمة. وكيفية استخدامها في سبيل الكشف عن أسماء الأشياء وصفاتها. وتتحدث عن الذاكرة، وطبيعتها الانتقائية، وتصويرها للأحداث، وحفظها على شكل صور ضبابية. ودور الكلمات في ترتيب تلك الصور، وإعطاء الذكريات صفة الخلود، من خلال كشفها للمبهم والملغز. وتصور أيضاً معاناة الإنسان من صراع قوى الخير والشر، داخل كيانه الرازح تحت وطأة الذنب والخوف. وهي رواية كتبت كشهادة على ظلم الإنسان لنفسه وللآخرين. في سعيه للوصول للحقيقة أو محاولته في اخفاءها، وراء الصور والكلمات.
رااائع جدا مزيدا من الانجازات ان شاءالله اخي
شكراً على مرورك مينا.
سلمت اناملك
تلخيص و سرد جميل من الرائع أنك لم تقترب من الحبكة و أبقيتها مبهمة ليتسنى لنا قراءتها بعد هذا العرض ..
التحية لقلمك جبران
شكراً لك دناعة.
Somebody necessarily lend a hand to make critically posts I’d state.
That is the first time I frequented your web page and up to now?
I surprised with the research you made to make this actual publish
amazing. Great activity!
I always spent my half an hour to read this webpage’s content
everyday along with a mug of coffee.
Greetings! Very useful advice in this particular article! It is the
little changes that produce the largest changes. Many thanks for sharing!
hMJTpcsNDlC
VKAmSuUaswgN
EoRSivAPfF
LDWtYJBNyAofQGX
9j6ms8