حمزة آدم نور- كاتب
#تشاد
ذات مساء .. حلّ علينا ضيف من العيار الثقيل، طالبٌ ينحدر من منطقة غرب إفريقيا، أولئك الذين لهم صلة قوية بالعلماء، يستمعون إليهم دائماً، يحسبون أن الدنيا كلها تدور حولهم وحول خطبهم التي تبدأ غالبا ما ب ( اعلم رحمك الله )، طبعا هذا ليس بالأمر الذي يزعجني في حد ذاته، ولكن حين يفسد علي لحظتي التي أريدني فيها مع نفسي، بالتأكيد أنزعج قليلا.
الحظ السيئ كان كريماً إلى حد ما…
أرادني الوالد أن أستقبل هذا الشاب في غرفتي ذات الأثاث البالية. طبعا هذا ليس عدلاً، ولكنه لم يكن طلباً ، بل أمراً.
ولما لم يكن لاعتراضي جدوى رحبتُ به وأخذته معي هناك.
كان بودي أن أوجه إليه بعض التعليمات، والبروتوكولات التي تنظم العيش داخل الزنزانة، والتي يجب أن يلتزم بها صاحبنا، وكان من المفترض أن أختار له زاوية بعينها لا يبرحها، ويلقي فيها جميع أعبائه. فهذا ليس نُزلاً عادياً أيها الضيف الثقيل، هذه دولة صغيرة، وأنا رئيسها… ولكن أبي تدخل في الأمر، وتكفل مسؤولية اختيار المكان دون شورى مني، فأشار له زاوية كنتُ أريدها لسلة ملابسي المبعثرة…
أفكر الآن في المغادرة، لأنني بدأت أختنق حقا، ضيفنا يقوم الليل ولا يقعد، ويستمع إلى صوتياته التي لطالما أزعجتني كثيراً، لا لشئٍ آخر، فقط لأنني لا أستطيع أن أنام بكل أريحية، لو يستخدم السماعة لكن…
في لحظات سابقة، كنتُ قد جددتُ وحدتي، أستمع الى الجدعاني، أقرأ بصوت عال، أرمي ملابسي المتسخة في أي مكان، وقد أتوسدها أحياناً، أتحدث مع نفسي، أغني مع مشغل الأغاني، أقوم بتصوير السنابات وأرسلها إلى مجموعتنا، قررنا مع الرفاق أن نصبح مهرجين، نتنمر بقسوة على أنفسنا، وعلى الآخرين، أنت ماذا تنتظر من مجموعة افتراضية اسمها ( صدمة حلوة ) !!
عندما أستيقظ في الصباح الباكر، أشربُ كأساً من الشاي، فثمة حشرجة في صوتي لا تزول إلا بقدحٍ من الشاي الأخضر المُر، أو هكذا أتوهم، أجلس في البهو، أرفع كلتا يديَّ مخاطباً الهواء: صباح الخير أيها الكادح المختبئ، الهارب من تفاصيل الأمس، لن ينتهي هذا البؤس..
ولأنني الآن ( بسبب قيمة الضيافة ) لا أقدر على ممارسة هذه الطقوس مثلما كنت أفعل، أشعر بالإمتعاض الشديد، والفتور.
كما أنني لا أستطيع أن أسخر من سذاجة سوليفان ( إحدى شخوص رواية اللحظة الراهنة ) الذي كان على شفا الإلحاد، وعندما أنجبت زوجة حفيده آثر إبناً، فكتب إليه، يقول: ” إنه الآن يؤمن بالله، لأنه ثمة مهندس لهذا الكون “
وأيضا لا أستطيع أن أضيف تعليقا صوتيا على أن “الخواجة” غرباء حقاً، في حدسهم وميزانهم الفكري.
كما أنني لا أستطيع أن أحيي نفسي بتحية بروليتارية…
ومن المتغيرات التي طرأت على عالمي، ضرورة التحدث بالفصحى في البيت؛ لأن هذا الـ ( الملوما / الضيف ) لا يجيد غيرها…
عليّ أن أغادر، للبحث عن أداة سحرية كئيبة ترافقني، لا أستطيع أن أتحمل شخصاً بجواري، يحول دوني وطقوسي.
وبحكم أنه طالب علم اعتاد أن يؤمنا وقت الصلوات، فيطيل بنا السجود دون أن يراعي ظروفنا، يحسبنا جميعا مثله، وهذا ما يجعلني في حالة استياء أكثر … أنا لا أطيق كل هذا.