شعيب الأحمدي – ناشط صحفي
اليمن
حالة من الرتابة تجتاحني، أصبح كل شيء ممل في هذا الوجود، النوم والسهر، الكآبة والضجر، التسكع، الضحكات، التفاؤل، الحب، الجمال، وزغاريد العصافير، الأصدقاء، حتى دقات قلبي وأنفاسي أيضًا، لا يوجد شيئ على ما يرام، كل الأشياء حولي تدعو إلى الملل والنفور، الصباحات الباهتة، وشروق الشمس المتكرر من نافذة واحدة لهذه الغرفة الكئيبة، وجوه المارّة وتجاعيد ملامحهم الكاهلة من الزمن، أصوات الباعة والسيارات مزعجة.
لم يعد هناك شيئًا يجدد التعافي، لا الأمل، ولا الفتيات الجميلات، ورائحة الهواء، ولا ضوء الصباح، إني أتعفن ضجرًا ومللًا من الوقت البطيء في هذا الصيف، من الفراغ، من كل شيء يمر أمام عيني، واللا شيئ أيضًا.
لا شيء يتغير، الموسيقى نفسها تِلكَ الحزينة، الفنانون بأصواتهم المبحوحة، والراقصات على نفس الحركة البطيئة، المجنونة أحيانًا من دقات المطربين السُكارى، لا الأفلام تعد مسلية، ولا حياة أبطال أساطير الحكايات القديمة، لا الأخبار، ولا الراديو، ولا أحاديث الكتب.
انظر هناك ستين كتابا معلقا في أدراج المنزل، عفوًا بل في أدراج منازل عدة، تمر العنكبوت تؤدّي صلاتها، بعد أن مررت أوزع لها الاكتئاب بالتساوي، إنهم يتعفنون مثلي، بعد أن قرأت نصف ورقة، وأخرى نصف فكرة، وأفضت بالملل والضجر.
حتى الحروف والكلمات التي أكتبها ممزقة بالنحو والإملاء، أصبحت مملة، بلا فكرة ونسق، تسلسلها أصبح متدحرج، من الأسفل إلى الأعلى، ومن اليسار إلى اليمين المبتور من المصافحة، الجميع حولي مشحونين بالانفعال مني ومثلي الأيام!.
أزقة المدينة الضيقة التي فررت منها، تلاحقني هنا وهناك في القرية، أصوات الأمهات، وجوه الحيوانات العبثيّة، دار جدي، وتجاعيد نساء البيت، ضحكات الأطفال، أشكال العصافير، ألوان الزرع، ورائحة الأرض، صفير الرياح، وخرير المياه المتدفقة في الوادي، كلها تدعو إلى الملل، إلى الاكتئاب الحاد، استنزاف الوقت بلا تغير، لهذه الأشياء، قاتل للمشاعر المنفعلة.
مُنذُ عشرة أيام أترقب ملامحي في مرآة الصباح، الهالات السوداء تنتفخ من السهر ومن النوم أيضًا، إنها متخبطة بالظهور والاختفاء مثلي، إن جفن العينين الزرقاوين، يتدللا تارةً مثقل، وتارة أخرى بلا شعور يظهر، هذه الأيام لا تشبهني، ولا تمت لعمري بصلة! كل ما فيها ممل، كئيب، ولستُ كذلك!.
أحيانًا كثيرة أفكر بأن أحذف كل شيئًا يضع له بصمة في الذاكرة؛ الضحكات الباهتة، ودموعها المالحة الساقطة على جراح الأيام، المواقف المشحونة بالمزاجية المفرطة، والنظرات الخاوية، اللقاءات الباردة، الأصدقاء، اللغة، والحب! لأستعيد تَلكَ الروح التي كانت تتراقص بالحب مع الحياة بكل أشكالها، أطيافها، ومزاجها وهي مليئة بشغف الاستمرار.