إبراهيم عبدالكريم محمد- شاعر
تشاد
القراء الكرام، عشاق شذى الحروف، يطيب لنا أن نناقش معكم في هذا المقال مسألة خطيرة غفل عنها الكثيرون من المهتمين في هذا المجال، لا سيما الدولة، أو بالأحرى المركز الوطني للمناهج… ألا وهي مسأله الهوية الذاتية للتعليم العربي في تشاد…
فنجد التعليم العربي في تشاد منذ فترة ليست وجيزة، أصبح عرضة لعدة هويات خارجية تتجاذبه بين الفينة والأخرى حتى كادت أن تفقده وجهه الحقيقي الذي يميزه عن غيره في هذه البسيطة..
فمنذ عقود ضاربة دأب الدارس باللغة العربية أن يدرس المناهج الليبية التي تحمل شعار (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى)، مما جعل تأثير هذه المناهج يبدو جليا واضحا في الإنسان الدارس، وأقرب مثال على ذلك هو تفضيل المتخرجين من المدارس التشادية الإلتحاق بالجامعات الليبية آن ذاك وخاصة في أيام القذافي…
وبعد فترة وجيزة ألبس التعليم العربي الجلباب السوداني، وذلك من خلال امتصاص المناهج السودانية بما فيها من أفكار خُطط لها مسبقا كي تزرع في وجدان الإنسان السوداني من خلال المنهج، فوقع الإنسان التشادي ضحيتها عن طريق الصدفة…
وفي الآونة الأخيرة ونظرا لعدم توفر المناهج الوطنية المخططة من قبل الجهات المعنية ولقلة الرقابة، صارت المدارس العربية تنتهج أي منهج تراه يوفي بالغرض سواء كان مصريا أو سودانيا أو ليبيا أو جزائريا أو …الخ كالمسافر المجبور يمتطي أي دابة يراها مناسبة لإيصاله… وهذا ما صنع فجوة بين أجيال الدارسين بالعربية في مختلف العقود..
إن هذا التخبط في المناهج صنع من الإنسان التشادي الدارس بالعربية إنسانا مشتت الهوية والأفكار حيث يعكس وجهه عدة هويات اكتسبها من خلال تأثره بالمناهج الخارجية التي يشرب عصيرها دون أن يراعي مكونات هذا العصير ما إذا كانت ضارة أو نافعة…
سمعنا سابقا من فم المشير الراحل إطراء جعل الكثيرين من الناطقين بالعربية يصفقون بفرحة عارمة، وهو: “أن الناطقين بالعربية أكثر ولاء للوطن من غيرهم من الناطقين بالفرنسية….”
فلو حللنا هذا الكلام بأسلوب منطقي نجده ما هو إلا أسلوب مبتكر للدعاية وكسب قلوب الناطقين بالعربية في فترة علت فيها أصواتهم التي كانت تنادي بمكانة اللغة العربية…
لكن على حسب وجهة نظري لا يوجد شيء في المنهج التشادي بالعربية كي يزرع الوطنية في قلوب الدارسين حتى يتفوقوا على أقرانهم الآخرين…
فالقراءات والأناشيد الموجودة في المراحل الإبتدائية لم تكن تشعر التلميذ بشيء، حتى النشيد الوطني التشادي الذي يرى في نغمه وكأنه قداديس كنسية لملمت من هنا وهناك، لذلك تجد التلاميذ في المدارس المشتركة (مثلا الأزهر الشريف والصداقة السودانية التشادية) يحفظون النشيد الوطني للبلد الآخر ويتمايلون معه طربا أثناء الإنشاد، بينما عكس ذلك تماما في النشيد الوطني التشادي فتحس بملل مقزز وعدم تناغم الأصوات أثناء الإنشاد…
فخلاصة القول:
إن من أهمية التعليم بأي لغة كانت يجب أن يكون له تأثير واضح في المتعلمين بأسلوب أو بآخر، وبالتالي تكون له ذاتية خاصة تنضح بها نفوس الدارسين، والتي تساهم في تكوين هويتهم المشتركة من خلال وضع بصمتها في مشاربهم التي يغذون بها ذواكرهم منذ الإبتدائية وحتى تخرجهم في الجامعة.
ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تكوين منهج وطني خاص تُراعى فيه الجوانب المهمة التي تصنع الهوية الذاتية للتعليم العربي التشادي بعيدا عن الهويات الخارجية التي تتجاذبه كما أشرنا سابقا… وبالتالي يرى وجهه نقيا في مرآة الزمن.
وهنا يأتي دور الروابط والجمعيات التي تنادي بمكانة اللغة العربية أن تتكاتف وتترابط لتعد مذكرة إلى الوزارة المعنية مفادها: أن المنهج الذي وضعته الدولة والذي ترجم من الفرنسية عن طريق ترجمات قوقل لا يخدم التعليم العربي بشيء، والتعليم العربي بحاجة إلى منهج خاص يمثله ويمثل الناطقين بالعربية خير تمثيل… وإلى لقاء آخر في مقال جديد.