إبراهيم عبدالكريم محمد- شاعر
تشاد
إن من أكبر الخدع والأكاذيب التي يستخدمها المتزلفون لسرقة أموال الدولة بطرق ممنهجة هما أكذوبتا حقوق المرأة والثنائية اللغوية اللتان أصبحتا حجتين بالغتين يستخدمهما الساسة كطريق مختصر للوصول إلى أموال الخزينة العامة للدولة.
وسنقف في هذا المقال عند خدعة الثنائية اللغوية وأبعادها ومدى عجز الدولة في تحقيقها منذ الإستقلال وإلى يومنا هذا.
فلو أمعنا النظر في العقبات التي تعتري سبيل تحقيق الثنائية اللغوية نجدها تتمحور حول ثلاث مشاكل رئيسية وهي كالتالي:
1/ مشكلة التنافر القائم بين الدارسين باللغة العربية مع الطرف الآخر…
وهذه المسألة متأصلة في وجدان الطرفين منذ زمن بعيد وذلك بسبب العنجهية التي زرعها المستعمر في عقول الدارسين بالفرنسية مما جعلهم يستخفون بأقرانهم الدارسين بالعربية، إضافة إلى كره الناطقين بالعربية للغة الفرنسية نتيجة لعدم تمييزهم بين الفرنسية كلغة، وبين فرنسا كدولة غاصبة ومستعمرة، وهذا ما ضيعنا جميعا عندما كنا في المراحل الإعدادية والثانوية نتسيب من حصص اللغة الفرنسية بحجة أنها “لغة الذين كفروا” ولا نوليها اهتماما أبدا، لأننا نعرف تماما بأننا سننجح من دونها دون أدنى شك…
2/ أما المشكلة الكبرى فهي مشكلة تتعلق بالمنهج وقلة الرقابة، وهنا يظهر عجز الدولة أو عدم رغبتها في تحقيق ذلك..
فمثلا في المدارس العربية تجد التلميذ منذ الصف الأول الإبتدائي وحتى تخرجه في الجامعة يدرس الأبجدية الفرنسية (A,B,C)، والمسكين تغمره فرحة عارمة لأنه بهذه الطريقة سينجح في الإمتحانات بدرجات عالية دون عناء أو تعب… ولكنه لا يدري بأنه سيجلس في مقاعد التدريس ثانية لتعليم اللغة الفرنسية وإلا سيعيش إنسانا عاديا مثله ومثل أي متغير مجهول x في الدالة العكسية لهذه الدولة إن لم تتغير هذه الوتيرة.
3/ والمشكلة الثالثة والأخيرة فهي مشكلة تتعلق بالناطقين بالعربية أنفسهم، لأن أغلبهم يخفون هويتهم اللغوية عندما يكونون مع أقرانهم سواء في الأماكن العامة أو في المؤسسات الحكومية… فتجد الواحد منهم يحاول أن يلبس ثياب غيره مستخدما بعض المفردات الفرنسية الممسوخة (Donk, alor) ليخفي لسانه العربي الذي أصبح عنده سمة عار أو نقصان… وبالتالي تقتله الإمعية في كثير من القرارات المصيرية التي من المفترض أن يكون له رأي فيها بسبب عدم قدرته على التعبير عن رأيه باللغة الفرنسية فيصمت ويوافق على كل شيء …
بين هذا التنازل عن الحقوق والإمعية القاتلة وجدت الدولة ثغرة لتجعل من الناطقين بالعربية حمارا قصيرا يسهل امتطاؤه، وبذلك جرتهم إلى الفرنسة الإجبارية وإلا لن يكون لهم حظ في المناصب والوزارات الكبيرة التي لها اعتبار في تسيير الدولة… فصاروا مجبرين على كتابة كل خططهم وكل مشاريعهم وطلباتهم باللغة الفرنسية حتى تجد قبولا إن أريد لها ذلك من قبل الديناصورات العجزة.
بينما الطرف الآخر فهم الأبناء المدللون الذين يجلسون على الحرير حتى وإن لم يتقنوا العربية أبدا… والأدهى والأمر هو استخفافهم باللغة العربية الفصحى لدرجة مساواتها مع العامية البنقورية في كثير من المحافل والمؤتمرات حتى في ترجمة الخطابات الرئاسية.
ختاما: إذا أردنا أن ننزع هذا الإستخاف من عقول الطرف الآخر وإثبات مكانة اللغة العربية يجب علينا أن نعيد النظر في منهجية التدريس في المدارس العربية وذلك لتخريج كوادر أكفاء يتقنون اللغة العربية ويتمتعون بدرجة عالية من الثقافة والأدوات القيادية ليمثلوا اللغة العربية خير تمثيل إضافة إلى إتقانهم للغة الفرنسية اتقانا يجعل الآخر ينزع لهم القبعة اعترافا بتفوقهم عليه في كل شيء حتى في لغته التي يتخذها درعا متينا كي يحمي جذوره التي دفنت عميقا منذ فترة طويلة.
وإلى لقاء آخر في مقال جديد.