يوسف محمدين محمد- كاتب
#تشاد
في محادثة، مستعجلة مع صديقتي الجميلة والجميلة جدًا “الآربفونية” حول مرور عشرون عام من استخراج البترول التشادي وتصديره إلى السوق العالمية:
تقول “الآربفونية” مستهلة الحديث:
– يا صديق المنافي، سلامات جميلات واشتياق حضن يفتقدك، والأنفاس الحارقة.
– مرحبا بالجميلة والجميلة جداً، تحيااات محبة واشتياق شفاه!
أنارت حروفك شاشة جوالنا المنطفئة؛
-بنور وجهك الضاوي تقتبس الشاشات نورها، وأنا.
– أيها الصديق ربما تكون مشغول أو شيء من هذا القبيل، ونظراً لعدم خوضنا للنقاشات منذ فترة، ونظراً لبعض الاحتمالات لا أريد أن أعكر لك صفوة مزاجك يعني (الفيك بيكفيك) -إن غشاه الصفاء- كل الذي أعرفه أنك لا ترفل للطمأنينة وتعتبرها فخ، ولكن إن كنت فارغ أو تفرغ لي – بمثابة الأمر أيها الجندي الحارث لقلعتي- لنتجاذب الحديث فقط اشتقت لألغازكَ وسخرياتك وأنتَ تكتب إليّ؛ اشتقت لإسهابك في الكتابة، والحديث دون توقف، اشتقت لأن أتأملك وأنت تمج سيجارتك دون أن تقطع حديثكَ، هناك في قريتنا التي على ضفاف “شاري”، أنا اشتقت قد لك بكل ما للكلمة من معنى.
-أيتها الصديقة الجميلة، أنا لكِ متفرغ في كل لحظة رهن إشارتكِ أيتها الغبية، كنت أقول ذلك ولكن الغبي أنا أنا الذي فرطت فيك.
-لم تفرط فيّ يا صعلوك الأزقة، ومتسكِع الاغترابات ..
-هل تعلم اليوم 10/ اكتوبر يعني مرور عشرين عام من تدفق النفط التشادي، ودخوله السوقة العالمية، ولم يتوقف يوماً أو تنضب تلك الآبار، من ضخ البترول.
– اه أعلم ذلك وفي الحقيقة لم أتذكر إلا بعد أن تصفحت الفضاء الأزرق، عالم مارك صحيفة من لا صحيفة لهم، ووجدت بعض الإخوة من أبناء الأهل في الشقيقة توماي أشاروا في منشوراتهم إلى هذا وقد فطنت لذلك ولكن لم أشأ أن أكتب أو أثير شيء لا في صفحتى ولا حتى بالتعليق على تلك الصفحات التي تناولت الأمر، لطالما أن البترول برمته يصدر باسم تشاد ولكنه لا يخص التشاديين وإنما -وربما- والله أعلم ما تم استخراجه؛ إلا لبعض الناس من ذوي القربى كي تجني مصاريف أتعابها جراء الخدمات السامية التي تخدمه للوطن، وسهرها من أجل هذا الوطن، الوطن الذي يئن ولا يشبه الأوطان، وبالتالي إن المواطن الصالح يصبح قليل الذوق (وقليل الأدب-ربما) إن تجرأ وسأل عن العائد من هذه الأبار التي تصدر البترول للعالم.. أو تعشم في أن يجد شيء يسير في شكل خدمات عمومية علها تساهم من تخفيف المعاناة له.
– تخيل عشرون عام والمضخات البترولية تضخ البترول، ولكن دون أن يحصل المواطن على ماء صالح للشرب.. وكل المناطق تعاني من شح المياه، هذا لو استثنيا بقية الخدمات الأساسية الأخرى، كـ” الكهرباء، والصحة، والتعليم، ….الخ”
– يا صديقتي الجميلة والجميلة جداً، فلتكونوا شعب طموح ما هذا الذي تقولينه ماء صالح للشرب، وخبز، وطرق معبدة، وكهرباء وهذه الأشياء التافهة، هذه أشياء بسيطة فالحكومة الساهرة والتي لا تام عينها، الآن تعمل وساعية في أمور أهم من هذه ارتقوا قليلا وكونوا ذوو طموحات كبيرة …
– يا صديقي العزيز، أعرف أنك تسخر أو تحاول النيل من الحكومة والدولة ولكن هذه أساسيات الحياة التي عليها تقوم حياة هذا المواطن … وعشرين سنة أي عقدين من الزمن ولم تتوفر له هذه المقومات الأساسية للحياة، وتريده أن يطمح لأشياء أكبر من ذلك…
طيب دعك من الماء والخبز والكهرباء…الخ طيلة هذه المدة وحال التعليم يرثى له، الصحة ربنا لا يُريك المرض، أو لأحد من أهل دارك، وأنت في هذه البقعة، العمران الحمد لله على كل حال، سنتان وكنا نحقق حلم المارشال (الله يرحمه) وتصبح على الأقل انجمينا مرآة انجمينا، وأقذر عاصمة في العالم، والآن ربما كنا نستعد لهذا الحدث الأعظم… أنا حين أحدثك عن هذه البلاد، أنا عالمة بما يجري هنا، لا شيء يتحقق ولا شيء من خطط الحكومة ينفذ، ولا رؤية للحكومة أصلا ً، إلا اللهم شعارات ووعود فارغة والرعاع تصدق ذلك، والحمد لله كل شيء على ما يرام (والعالم في تقدم ونحن كذلك) لأن القبيلة هي التي تصدق والكل هنا لا يخرج عن بوتقة القبيلة مهما علا شأنه ومهما علت ثقافته، أو علميته، والسيدة الدولة والحاجة الحكومة أحسنت في لي ذراع القبيلة وعرفت كيف تتطيب الجرح وكيف تنكئه.
– يا صديقة الأمسيات الطيبة، عشرون عاماً أو عشرون قرن لا فارق الفارق يصنعه العقل المتنور، والشخص الثوري، والكيانات المدنية التي تسعى للتغيير، الضمير الذي يشعر بالمسؤولية، لن يحدث تغيير ونفس تلك العقول التي رافقت والد الفتى هي من تسير الدولة، وشؤون الدولة، باختصار سيتدفق البترول نحو السوقة العالمية، دون توقف حتى تجف جميع الحقول الاحتياطية أيضا ً، والثروة الحيوانية، والأراضي الزراعية الشاسعة، والجمارك، وكل قنوات الموارد المالية لدى الدولة، تظل في أيدي أطفال لم يبلغوا الحلم بعد، بينما الآخرون يعانون فقدان أساسيات الحياة ويكدحون، بلا طائل، ويخيب سعيهم، صحيح الضغط يولد الانفجار ولكن يحدث ذلك عندما تكون هناك شحنة أي أن النفوس مشحونة، والضغط عليها يحدث انفجار ولكن السياسة القامئة على المحاصصية، والمناطقية، والاسترضائية، والقبائلية، بحيث تحاول ارضاء الطوائف المختلفة، والقبائل، وبذلك تضمن ودهم وتأمن غدرهم، بل وتحملها مسؤلية الآخرين التابعين لها، وهي بدورها تحذر من إثارة الخلاخل… الخ
إذن أيتها الصديقة، لا مفر من هذا إلا بثورة وعي شامل يطال كل الأشياء وكل المسلمات، وأن يطال حتى العادات والخرافات، وغربلتها غربلة صحيحة، ثورة وعي حر، ثورة وعي عام..
دون ذلك لا قائمة تقوم لهذا الوضع… وإنما يمارس من قبل الذين تتم تمليتهم، هذا ليس بوعي وللأسف شبابنا غارق في قشور المعرفة والعلم، يردد كالببغاء، ولا يفكر، هناك بعض المغروزات النتنة والمقيدة للتفكير قد غرزت فيهم، وهم الآن يسيرون وفقها دون أية زحزحة، أو محاولة الخروج عنها، إذن أول شيء لابد من إعادة الشّك في هذه المغروزات، والشك فيما تلقيناه في المدارس وفي المدارس نفسها، والخلاوي، والمساجد، والكنائس، والقبيلة، وتعليم القبائل والسادة الشيوخ، والفقهاء، وممن يجالسون السلطان وصاحب الفرنكات، حتى يثبت لنا الصحيح من الدخيل، وكي نُشكل في طريق شّكنا ذلك وعينا التحرري الذي سينقذنا من هذه المعمعة.. ويمهد لنا الطريق الذي يوصلنا نحو الدولة المحترمة، والأمة الصالحة، إلى حيث دولة الإنسان.
– آه ربما أطلت عليك أيتها… ولكن لابد من الحديث وأنت تعرفينني جيدا، في حضرتك لابد من الحديث …
– أيها الآربفوني الصعلوك طابت ليلتك سنواصل الحديث غداً ربما سأجدك أو لا أجدك المهم أن تكون بخير حتى المحادثة المقبلة والتي تليها كن طيب يا طيب القلب….
-الآربفونية الجميلة والجميلة جدا، طابت ليلتك أيضا وأتمنى أن أصبح أنا بخير وتصبحين أنت من أهلي!
(الأحلام مجانية يا صديق) ولا سقف للأمنيات..
الـ10 من أكتوبر 2023م
Y.MAHAMADENE MAHAMAT