شعيب الأحمدي- ناشط صحفي
#اليمن
هذه غزة المدينة التي لا تنام، الساعة الواحدة بعد منتصف القصف، تكبيرات النصر تعلو على مآذن المساجد والمدارس وأرصفة الشوارع الممزقة من الصواريخ، وراية مجد تتلألأ في سماء وجدان هذه المدينة التي لا تقهر.
منذ بدء الصباح يتسلل ضوء المQاومة في الأزقة الضيقة من تراكمات البنايات المهدمة، السماء تُقطر دمعًا والأرض تئن وجعًا، والشمس تمد بيديها المرتعشة لتصافح الشهداء، بأشعتها الممتدة بين الركام، تخرج أرواح الأطفال، النساء وهم مبتسمون في وجه الله الكريم، وينبت من دمائهم الزكية سنابل الحرية والنضال.
كم تبدو الشوارع موحشة، صباح ضبابي مليء بالدخان المتزاحم من القذائف والصواريخ، رُكام الحجارة تقطع “شارع عمر المختار” وسط المدينة، أمام بائع الزيتون، ونادل الكافيه يبعدها من كأس الذل ليقذف رأس العدو، من الباب بعد أن هُدم سماء الدكان الليلة الماضية.
دماء عطِرة تتساقط من جبين البراعم الصامدة أمام الدبابات، كم يبدو الموت هنا ضعيفًا رُغم حجمه الكبير، يمر من شارع إلى آخر، ومن حي إلى آخر بلا توقف كل يوم، في كل لحظة مباغته، يزور البيوت الفاخرة، الشوارع المترهلة، والمآذن المستقيمة في المساجد، يبحث عن الأطفال والشباب البررة، الرجال والنساء، والفتيات الجميلات، كأنه لا يعلم أنهم يتهجدون على بنادقهم وحِجارتهم من سِجِيل، أناء الليل وأطراف النهار.
دون أن يخاف منه أحد من هؤلاء المارّة على الأرصفة والباعة وأولئكَ المتجولون في ساحة سوق الزيتون في شارع المختار، يبدو بأنه شيئًا معتادًا وطبيعيًا، روتينيًا لحظيًا، لا يخشاه أحد من هؤلاء الناس.
يتلاعب معه الأطفال والشباب، يرقص مع الكبار، يزغرد مع الفتيات الحسناوات والنساء الصابرات، عندما يرحل يصافحه الجميع وهم يبتسمون في وجه الشهداء، ولسان حالهم يقول:
-نحنُ اللاحقون فداء بيت المقدس.
على قارعة أرض الزيتون يقفون صناديد المqاومة كالجبال، يقهرون العدو ببسالة الصمود، وطوفانهم العظيم يجرفُ كبرياء دباباتهم وصواريخهم.