شعيب الأحمدي- ناشط صحفي
#اليمن
لم يفرقهما شيء منذ فترة طويلة، ينامون ويسهرون على أمل ذابل بغدٍ أجمل، يتجرعون الفقر والمرض رشفة رشفة، حتى أتى ضيف الموت يأخذ أحدهم ولم يعِده.
ملامحها شاحبة، يحلق الرمادي على وجهها الأسمر، يكتسح الأسود عينيها الوردية الذابلة من الأرق، كم تبدو آية ذو العشرة سنة حزينة، بعد أن فقدت والدها بقذيفة هاوزر في المنطقة الشرقية لتعز، حينما عاد والدها من سوق العمل، يحمل ماءً ورغيفة يابسة، لم تتناولها بعد رحيله.
تقف باستمرار على نافذة ضيقة الضوء، تشعل أصابع الفقد واحدة تلو الأخرى كي لا تنام مبكرًا، شعورها يتفاقم مع مآسي الموت المتكرّر في مدينة لم تمُت منذ تسعة أعوام من الحرب والحصار.
عندما يفقد المرء شخص يحبه، ينصدم قلبه وصدره، يتوه في الأيام المزدحمة، يخلو في غرفته ليلًا وحيدًا، يأخذ رقعة من قماشة العطرة كان يرتديها، وصورة ضوئيّة قديمة التقطت في ذاكرة المكان المعتاد، يعلقها أمام عينيه، يقعد أمام النافذة على كرسي القلق من الفقدان، ينتظر عودته إلى البيت، الرياح الباردة تنفخ جمر الشوق والحنين في القلب، تضاعف الألم المحروق في أفئدة الفقد الأليم، حتى يغفو في النوم بعد ساعات مريرة من الانتظار المؤلم لشيء لم يصدق بأنه ذهب ولن يعود، يحلم بثرثرته التي لا تتوقف بأحلامه وأماله، بصوته الذي يملأ الفراغ في المنزل، ضحكاته التي كانت تملأ المكان، حزنه وبكائه عندما كانت تنضرب الأرض في حلقومه الضيق من مأسي الحياة.
تتضارب الرياح بشدة قبل الفجر أمام آية، تعود الملامح الشاحبة وهي ترتدي ضحكات مزيفة لوالدها، يمد يديه:
-تعالي إلى هنا
تذهب طائرة جريحة الضلع إلى حضنه، يعانقها بشدة، يقبل وجنتيها، تخبره بأن البيت مظلم بعد غيابه، تشعر برجفة وتسيل الدموع بغزارة وهي تحملق بيديها عليه، يخبرها:
– بأن الحياة الجديدة جميلة جدًا، أجمل من هذه الدنيا الضيقة في صدور الكادحين في هذه المدينة المغلقة أبوابها على العابرين.
المنزل الجديد كان أكثر أمانًا وسكينة، لم أشعر بالبرد طيلة الأيام الماضية، يعاملني الأهل والجيران الجدد بلطف، أتناول القهوة كل صباح على أنغام العصافير، أكل الأرز وأحتسي الشُربة، أرتدي ثيابًا ناصعة البياض، أنام بلا هم للبحث عن رغيف اليوم الآخر.
تبتسم فرحًا وهي تعانق صدره بشدة، تشرق الشمس وتتسلل أشعتها إلى غرفتها التي لا تتسع إلى اثنين، تغرد والدتها:
– آية الإفطار جاهز ستتأخرين على المدرسة.