شعيب الأحمدي- ناشط صحفي
#اليمن
وقف ماجد ثلاثيني العمر طويل البنية متجعد الشعر أمام القاضِي في قاعة المحكمة، تهامس الحضور:
– ما زال شابًا، لِماذا يرتكب مثل هذه الحماقة؟
حكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبّد؛ بعد مقتل حبيبته ضربًا حتى الموت. ردد آخرون بأن فقد الإنسانيّة مرض مزمن مصدره الحقد والكراهية إلى الحرب والقتل.
-سيدي القاضِي أنا أحببتها.
يصيح بصوته المرتجف بين يدي الجنود الذين يجرونه إلى النفق المظلم خلف القضبان.
سعت والدته كثيرًا حتى تخرجه من السجن، الجميع تجردوا من الدفاع عنه، لا أحد يريد أن يقف في صفه، في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، أصيب بالانفلونزا، نقل على إثرها إلى المستشفى، قعدت أمام النافذة تترقب الزقاق القريب راسمة خطة مُحكمة، ألهت الجنود بإغراء ممهدة له الطريق النجاة.
ارتدى معطفا أسودا حالكا كالليل، وقبعة سوداء، هرع من شارع إلى آخر في صنعاء مرددًا أغاني النصر، رقص على أنغام الحرية بعد أن فرَّ من وجه العدالة.
أخذت نفسًا عميقًا حينما أصبح ولدها الوحيد حرًا طليقًا، ارتشفت قهوة الانتصار:
– لن يعود إلى الزنزانة مرةً أخرى.
الجو بارد وقطرات الندى تخفي المشهد عن النافذة، لم يمضِ وقت كثير، اشتعل حنين الأمومة ودخان القهوة أصبح غيمًا في حُنجرتها الضيقة قبل أن تفتح السماء أبوابها للشمس، لجأت للسرير تحتضن ثيابه المتبقية، تحلم عودته عصفورًا يحلق أمام عينيها مثل أول مره، لم تغفُ كثيرًا فقد قاطعها اتصال الشرطة لهاتف المنزل:
– السيدة مادلين؟
-نعم.
-عليك الحضور سريعًا إلى المستشفى.
يا وجعاه! لم تُكمل حلمها، بعد أن فوجئت بالحقيقة، جسد طويل غُطيَّ بستار رقيق من القماش الأبيض، بيديها المرتعشتين خوفًا كشفت عنه ببطء، عيناها تمطر دموعًا حينما وجدته منحنيا على الأرض فاقعا عينيه إلى السماء كأنه يترقب النجوم والقمر الحزين على هلع والدته، الغيوم السوداء تخفي ضحكة والدته بإحكام، تناديه:
-ماجد، ماجد.
كالأصم لا يجيب، تهز جثمانه يمينًا و يسارًا لكنه جامد كالموت.