ملاذ طاهر- كاتبة
#تشاد
دائما ما نسمع الجدال الدائر بين القراء حول إشكالية-هل الرواية تصنع مثقفا أم لا؟
في رأيي المتواضع ..نعم الرواية تصنع مثقفا؛ لأن قراءة الروايات تجعلنا نعتاد القراءة ونبحث خلف المعلومة، ونعرف الغث والثمين وما يضيفه الكاتب لعقلك..أنا من هواة الرواية، فأجد أنها تعطيني مفتاح الصبر على القراءة، ومعرفة الحدث بسهولة، فتتغير نظرتي ويتسع فكري ..المهم هو اختيار الكاتب الجيد لنتلقى منه المادة الفعالة.
ففي الأشهر السابقة قرأت
رواية حجر الصبر للكاتب الأفغاني عتيق رحيمي ..قبلها قرأت لخالد حسيني عداء الطائرة الورقية وألف شمس ساطعة؛ لأطلع على حال بلد دمرتها الحروب العبثية وانسقنا نحن خلف الآلة الإعلامية التي شوهتها، دون الوقوف على الحقيقة ..تدور أحداث الرواية عقب الانسحاب السوفيتي، وصراع المجاهدين وقتالهم على السلطة .. لم تتعدى أحداث الرواية حدود حجرة شهرزاد المرأة الأفغانية التي تعتني بزوجها الذي أصيب برصاصة في عنقه أدخلته في غيبوبة.
حجر الصبرهي قطعة من العذاب الأفغاني ..تشكي شهرزاد لحجرها وتخبره بكل همومها وأسرارها فيتدفق من فمها سيل من الكلمات اللاذعة المشحونة برغبات دفينة ومصارحة جريئة وتبوح له بأخطر أسرارها متحدية مخاوفها، وفي الأخير ينفجر الحجر عليها.
وهذه بعض الاتباسات
“الذين لا يعرفون الحب، يصنعون الحرب “
“أنتم الرجال عندما تملكون السلاح تنسون نساءكم “
ثم مررت بالرواية الخليجية خصوصا الكويتية فقرأت لبثينة العيسى وإسماعيل الفهد، وأعدت قراءة فئران أمي حصة لسعود السنعوسي…نلاحظ أن الأدب الخليجي أو الكويتي لا يخلو من قضايا العمالة الآسيوية وفئة البدون وقضايا المرأة، وتداعيات حرب الخليج..لكن سنعوسي في هذه الرواية تناول قضية شائكة وهي مشكلة الطائفية بين السنة والشيعة.
فبدأ من جذور الفتنة التربية والتعليم وإلى أصل الطاعون الذي نشر السم..العنصرية والطائفية التي تتأصل وتتوغل في أغلب الدول العربية والإسلامية مصيبة تحدق بالشعوب وطاعون يفتك بالدول مالم يتم تداركه…تناول السنعوسي هذا الموضوع بحيادية وحرفية، وسرد شيق وتفاصيل شجية يستدعي البطل ذكريات الماضي مع أصدقائه من جهة فيسرد تاريخ الكويت ومعلومات مغيبة عنا ومن جهة أخرى يسرد أحداث حالية بطريقة روايتين متداخلتين (إرث النار ويحدث الآن )
اقتباسات ..
“نواصل إخفاء ما بداخلنا بعد عجزنا عن إصلاحه “
“الملة ليست بيت أبيك تطردني منها وقتما شئت”
“والدتي كانت تقول من خاف سلم، أما أمي حصة فتكره الخوافين..سلمت الأولى وماتت الأخيرة “
ثم حطت رحالي في الصحراء الكبرى فعشت أياما جميلة مع رواية طوارق فكانت الرواية الأولى التي أقرؤها عن شعب الصحراء هذا الشعب المنسي..عشت مع هذه الرواية عالما فريدا إلى جانب فرادته في الحديث عن عالم الطوارق..فأنت تتوحد مع البيئة وكأنك تشاهد فيلما سينمائي وأنت ترتدي نظارة ثلاثية الأبعاد تجوب الصحراء المغربية مع غزال صياح ليثأر لضيفيه اللاذان لم يستطع حمايتهما ..رحلة مليئة بالمفاجآت واللهاث ..يصورها الكاتب ببراعة وأسلوب شيق فلا يترك لك فرصة لالتقاط أنفاسك، تعرض الرواية أحوال تلك البلدان بعد الاستقلال الفرنسي، وتصارع التيارات للوصول إلى السلطة، وحوارات حول الديكتاتورية والشيوعية والاشتراكية، وإهمال تلك الحكومات لشعوب الصحراء، والتعرف أكثر على عادات الشعب الطارقي النابعة من الجوهر الإسلامي ..كالشرف والشجاعة والكرم والنخوة.
“كل من يثق بالآخرين إلى درجة تركهم يسلبون السلطة منه هو رجل مخطئ”
ثم عرجت على الحبيبة السودان في رواية بعض هذا القرنفل ..عشت مع هذه الرواية كمية مشاعر مؤلمة وقاسية ..أحداث أقرب للواقع أو هو الواقع الذي نعيشه في بلداننا لنلقى الأذى من الحكومات الفاشلة والمدمرة …كل ما في هذه الأوطان تشكي سوءهم ..رواية مثيرة السرد تتعاطف مع الشخصيات ..تطرقت للسياسة والحب والاستغلال، التضحية، وسلبيات المجتمع.
تبحث عزة الشخصية الرئيسية وهي الفتاة البرجوزية عن طارق الصديق الذي لم تتفق معه يوما ولكنها تعلم حقيقة مبادئه ..طارق الذي تناساه الجميع ببحثها عنه تثير الأحزان من جديد حتى تنصدم بنهايته المؤلمة فمهما سكن الألم ببعض القرنفل لا بد للضرس الملتهب أن يقلع ..
اقتباسات
“حتى عندما نفشل هنالك التزامات يوجبها ذلك الفشل “
“لاتلين و لو سرقوا آمال السنين و أداروا الكأس ليلا و تمايلوا على نتح الأنين لا تلين ولو وأدوا أبناءك قبل مرحلة الجنين و أخرجوا أباك من أدراج المشارح وجه حزين لا تلين “