الحافظ محمد كباشي-كاتب
#السودان
ذكرى باتت تؤرق شبابَي، وُئِدت بناتُ أفكارِه مُنذ عبورها بي، أقع عبرَ سردابٍ يتشح بالسواد ويضيقُ بي شيئا فَشيئاً، كمن يشتهي عاصِفة تجتثُّ ما تبقى في رأسهِ من نيرانِ الذكريات.
مواقِفُها أعوادُ ثِقابٍ اشتعلت بوهمِ أحلامي ثم انطفأت سراباً، حلَّلتُ خُمودها حيناً و بعثرتُ الرماد عن مُقلتيها حيناً آخر؛ لأسترجِعَ ذاتِيَ القديمة، عِوضاً عن حاضري المُتهالك.
كنتُ منمَّقاً بالقزحِ و اليوم مغموماً، زاهٍ بالوحدةِ متباهٍ بما فلت وتلاشى، متحوِّراً من لوحةِ ألوان إلى أسود داكن بلا وُجهة، كنا سيئين في واقِعٍ سيء نمشي بِخُطًى متعرجة، دربُها يَسوَدُّ سوءاً، الصمتُ حالِك، و الكتابةُ مرهقة، الحلقةُ التفت على الأعناق تقطعُ وصال ما حولي لأكون بعيداً عن كل شيء، إرهاق ٌ يضمُّ النفس و الجسد ذُبولاً، واختناقُ الصوتِ يختارُ السكون.
بعد قرارٍ بخوضها ضريراً، أترجل عن مطية الذاكرة عقب محاولاتِ تشبث الغد بمعصمي الأيسر و هو يسحبني عبر كوة صغيرة من النور في الجدار العائد إلى السرداب، أتأرجحُ بين التوقِ إلى حلوِ الماضي و الرغبة المستميتة في المضي قدماً، فبِتُّ تائِهاً بين أمسي و غدي، ضائِعاً بلا وجهة، هائِماً بالذكرى، خائِفاً من القادم، صامِتاً في المشهد، متسمِّراً في منتصف مدارٍ لعقارِبِ ساعةٍ على الجدار تعودُ إلى الوراء تستجديني أن أحكم قبضتي عليها في محاولة عبثية للجري نحو زنازين الماضي.
كان احتياجي لنصلِ سيفٍ يقتلعُ جذوراً ذابلةً في أوتاري، لتصمُتَ موسيقاها إلى الأبدِ، متوشِّحاً السكونَ رداءً ناصِعَ النسيان و التجاوُز..!
ولكن.
سيمر كل مُر، و ستهدأُ الضوضاء رغم أنفها وبس خلاص.