ملاذ طاهر- كاتبة
#تشاد
أجواء صيفية استثنائية، خالية من الرطوبة الخانقة والبعوض المزعج، مستلقية على الأرض في فناء بيتي، نسيمات عليلة تتسلل إلي، تحمل معها عبير شتلات الزهور والريحان، أحمل كوباً من الشاي اللذيذ وكتاب حط رحاله عندي، مهداة من أخ عزيز بحجم الأخوة،
سعيد أبو راما
(الحرافيش )الذي أطلق على هذا العمل “الملحمة” ربما سهل علي وصف هذا العمل الضخم الذي أكبرت حجم الكتاب قبل أن أبدا بقرآءته فالبناء النصي رغم طوله إلا أن الحوارات والسرد سدّا أي ثغرة قد يتسرب الملل منها، كأنني أجلس عند نافذة سيارة وأستمتع بمشاهدة مناظر خلابة و قصص أجيال تتعاقب دون أن يكلفني ذلك عناء الوقوف لمعرفة تفاصيل التفاصيل.
كما أن اللغة واختيار المفردات التي واجهتُ البعض منها لأول مرة كالعنوان مثلا فضلت أن أعرف معناه من السياق بدل البحث عنه عن طريق قوقل، فمعنى حرافيش هي الفئة الفقيرة المذلولة من الشعب.
هذا العمل أجبرني على التعايش مع أحداثه والتأثر بأشخاصه والتعاطف معهم وإسقاط هذه الأحداث على واقع مجتمعنا.
الحكاية انطلقت من عاشور “اللقيط” مجهول الأصل الذي أفنى سنينه لغلبة العدل، ليرفع الحرافيش للوجهاء وينزل بالوجهاء للحرافيش واختتمت الحكاية بعاشور آخر الذي أحيا سُنّة جده في المساواة.
وما بين العاشورين تعاقبت سلسلة بشرية، قد أغرتها الحياة وأضعفتها النفس البشرية فخانت العهد الذي ابتدأه السلف.
فأوجد من ذرية الحرافيش الجاه..ومن الجاه حرافيش
من الورع يأتى الزنديق
ومن الزنديق يأتى العابد ومن العابد مخمور
ومن الداعرة يأتى دراويش، ومن الدراويش وجد من هو فاسق!
هذه هي النفس البشرية وصدق من قال أن المعدن الطيب لا يورث.
وكأن نجيب محفوظ استوحى الفكرة من ابن خلدون في تعاقب الدول و سيرة الملوك و حكم الأسرة فتكون الدولة قوية في الأسرة الأولى التي عانت كثيرا حتى تحكم ثم دولة أقل قوة للوريث الذى نشأ قويا و غنيا و مسيطرا، و لكنه عاصر شيئاً من المعاناة التي أهلت أسرته للحكم ثم وريثا آخر في الجيل الثانى لم يشاهد إلا العز و النعيم فتتفكك الدولة و تضعف و يصير العدل أثرا بعد عين.
الفكرة أو الفلسفة التي يريد أن يوصلها نجيب محفوظ هنا هو أن العدل إن كان مؤسس على قناعة شخص قوى فإنه يضعف بموت هذا الشخص ولكي نضمن استمرار العدل نلزمه بقوة تحميه و ينبغي أن تكون هذه القوة مستمرة و قائمة و مصونة من الانحراف أو الإنقلاب على العدل نفسه..وأن الحاكم العادل في نفسه لن يستمر هكذا الا إذا جاء على أكتاف الناس و بمجهودهم و تضحياتهم، و لن يستمر ميزان العدل منصوبا إلا إذا كان عدلا مؤسسيا لا فرديا، تحميه سلطة منتخبة واعية يقظة.
استخدم محفوظ التكية والزاوية كرمز يمثل الدين وتأثيرها على سكان الحارة حتى على الفتوة فلم يجسر أحد منهم على اقتحامها، الشي الوحيد الذي لم أفهمه هو استخدامه للترانيم والأناشيد بالفارسية وهل هناك بعد فلسفي لذلك؟في النهاية يطرح محفوظ وجهة نظره أن الحل في العلم هو الذى يضمن وعيا جمعيا، يساند الديموقراطية الشعبية و يؤسس لحكم الحرافيش (الشعب )لا الأسياد والوجهاء
ومن عظيم المصادفة أني قرأته فترة الانتخابات الرئاسية.