محمد حسن بشير- كاتب
السودان
لا يلبثن كثيرا حتي تتداخل المواضيع فيما بينها وتعج الصالة بالمتحدثات ويتكلمن جميعهن في آن واحد، كأنهن عصافير على شجرةٍ ما، ثم تسكب الشمارات على الآذان كما القهوة تماماً ( وهي أحاديث مرهقة، ممضوغة جيدا بين الأسنان وصارت لا تسد شهية الحديث لفرط مضغها). حتى إنهن يصلن إلى مرحلة (القطيعة )، فيتهامزن ويتلامزن وتتصدر الفضائح همس الحديث، فلا لباس يتسع لستر هذه الأحاديث العارية، إنما تخرج الكلمات و تلعق الهواء العالق بين الأسنان وتطغى عليها الفضيحة بروايات متفاوتة و بأسانيد عدة عن فلانة وعن فلانة.
إسناد مطعون في صحة روايته ولكن يكفي أن تقسم إحداهن بأبنائها أو شيخها وحتى بمهنتها التي تجيدها، كما تفعل ميمونة دائما تُقسم بالمِشاط، ولا تحتاج النسوة إلى تنميق كلماتهن وجعلها تبدو لطيفة، فإن التحدث بلباقة من صفات المتحدثين في البرلمان أو مجلس النواب.
أما هنا فالبر ليس آمناً كما يبدو، فيسمح لك بقول أي شيء، وإن كان هنالك طعن في الراوية أو السند، أو حتى كلمات خادشة و بذيئة إلى حد ما.
بعد انتهاء المجلس أو ( القعدة)، خرجت النساء متناثرات على الطريق، يتقدمهن ظل المساء القادم من خلف الجدران، و الشمس بدأت تتورد خدودها في ساعات المساء الأولى وانخفضت درجات الحرارة وصار الجو مناسبا لهضم تلك الأحاديث، ذهبت ميمونة ناحية السوق وقبل أن تطأ قدمها الشارع الآخر الذي يقود إلى آخر كشك في الناصية، لمحت بالصدفة ذلك الشاب( ود الجيران ) الذي أشرن إليه في تلك اللمة، ملوحاً بيده في الهواء، ميمونة المشاطة كيفك؟ الكل يعرفها في المدينة عندما تعبر الطريق فالكل يحيها بلقب( المشاطة ). ينجذب إليها الذكور،
و تغرم النساء بشعرها.
شعرت ميمونة بأن هنالك وخزة في قلبها أو بين فخذيها ولكنها تاهت مع عقلها و بين جسدها لتحديد مكان الإشارة، اكتفت ميمونة بكلمة واحدة كأنها متوترة، أو تخشي على نفسها من السقوط كفريسه بين يدي هذا الوحش النسونجي الشبق، الذي يتسلل خفية بين الأزقة و الحواري، ببطء يتقدم نحو صيده الثمين و لا ينفك يحاصره حتى ساعات متأخرة من الليل، ثم يخرج من هنالك مكشرا عن أنيابه، يسيل دم القبلات من على فمه، بخطى سريعة يتجه نحو وكره ليعد العدة من جديد ليتجه إلى فريسه جديدة في يوم جديد .
( تمام )، معها ابتسامة رديئة تشبه المساكن الشعبية بخيامها و أطفالها الذين يجرون بنصف عري في الطرقات يلعبون و يصرخون هل من الجوع؟ أم الألم ؟ أم أنهم يستمتعون بقضاء الوقت هكذا؟ لذلك يصرخون خشية انتهاء وقت اللعب، أو الموت في اي لحظة بسبب الجوع، أو العطش و الملاريا.