شعيب الأحمدي- ناشط صحفي
#اليمن
المقاومة الساخرة: بين مطرقة الاضطهاد السياسي وسندان الترندات
يعد الفن الساخر من الوسائل الثقافية المهمة في البلدان، حيثُ يقدم الفنان الساخر على برولة الأحداث بما يتطلب الوضع بطريقة نقدية إصلاحيّة، ويوصل رسالة الفكرة الإقطاعية للقضايا الاجتماعيّة والسياسية بطريقة فكاهية.
يعد الأدب الساخر حركة ثورية لإنعاش الركود الثقافي الحاصل منذ توقفت العملية النقدية الإصلاحيّة للشؤون الأحداث الجارية، والكبت السياسيّ منذ بدأت الحرب، والنقد الساخر يعد مفتاحًا لقيود الحرية وحق التعبير الذي تكبله السياسة السلطوية في المجتمع، وتشكل الثقافة الساخرة اليوم محورًا مهما في الوضع الراهن، بينما نحنُ نعيش سردية ثقافية إعلامية خاملة على حد التقدير، لمواجهة الفكر الحوثي المنحرف، انتشر الفن الساخر مضاد لسرديتهم بشكل أكبر وامكانيات سهلة وعادية.
الثقافة الساخرة تعتمد على المفارقة بين اللفظ والمعنى، التضاد بين السلوكيات البشرية الظاهرية والتعاملات الواقعيّة للنخب السياسيّة والشخصيات الاجتماعيّة والسلطوية، هذه اللغة الساخرة التي يستخدمها الفنان لغرض ما في نفسه، هي جوهرية نقد الأحداث والقضايا لا الأشخاص، حيثُ تصل فكرتها للقارئ أو المستمع بطريقة فكاهية وسلسة.
وتذكر بعض المصادر الثقافية العربية أن أول صور السخرية وأقدمها على البشرية “المحاكاة” بالكلام أو المشي أو لغة الجسد، وتعد هذه السخرية معالجة لكل الشيء حقير كأنه عظيم، أو بما يسمى في الأدب العربي “الذم بما يشبه المدح”.
المقاومة الساخرة
الساخر والفنان اليمني محمد الحاوري، واحد من أبرز الساخرين اليمنيين في تقليد الشخصيات، حيثُ يقدم نقدًا ساخرًا بأصوات مختلفة، موضحا القضايا الاجتماعيّة والسياسية التي تهم الرأي العام والمجتمع اليمني ككل، في بداية الظهور أقدم على تقليد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وعلى حد تقدير في أحداث ثورة الشباب السلمية 2011م، ومع الأحداث الجارية في البلاد توسعت الخبرة والموهبة في تقليد شخصيات سياسية -كما ذكر في أحد المقاطع المنشورة على حائط صفحته على فيسبوك- أصبح اليوم من أكثر الفنانين اليمنيين الساخرين والمشهورين والجدلين مع الإعلامية الحوثية.
بينما نحنُ نعيش في نهاية العقد الأول من الحرب الحوثية التي دمرت كل القطاعات والمؤسسات الثقافية في اليمن، تتأهل الثقافة الساخرة بالتزامن مع سردية التبعية الطائفية الذي تقدم عليها مليشيا الحوثي بكافة الأصعدة “الدورات التطيفية، والندوات، الخطابات التحريضية” على جميع القنوات التلفزيونية التابعة لها ومواقع التواصل الاجتماعي بما يخدم فكرتهم التجويعية وسياستهم الشيـ ـعية، بينما الثقافة الساخرة أو بما تسمى الهجاء، الذي يقدمها الحاوري عبارة عن مقاطع فيديو قصيرة ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال التقليد الصوتي والحركي لقيادة الجماعة الحوثية.
الثقافة الساخرة
تحت إطار مصطلح المقاومة الإعلامية، تندرج الثقافة الساخرة، كونها تشكل محورًا مهمًا اليوم، في صراع مضاد مع الحكومات، لأن الأدب الساخر فكاهيًا ولافتا للنظر بين مأزق هذه الأزمات السياسيّة والاضطهاد للحرية والترندات التافهة، يعد الفن الساخر أكثر مرونة بالوصول لجميع الطبقات الشعبية، هذا ما يستخدمه الفنان اليمني الساخر محمد الحاوري في الجبهة الإعلامية والثقافية، بمواجهة مباشرة مع مليشيا الحوثي وخرافية سردية الادعاء الإلهي والاضطهاد السياسيّ والاجتماعي لليمنيين.
ما نعيشه اليوم كيمنيين من سرديات سياسيّة مختلفة التضاد العنيف، التي تظهر بشكل ترندات وقضايا هامشية يقودها الساسة لتغير محورية القضايا الأساسيّة، نحنُ اليوم فاقدين الإرادة في صناعة القرار السياسيّ بما يخدم مصلحة الشعب، بسبب ضغط البروجندة الخارجية والاقليمية، وهذا شيء مكلف إذ لا نملك ثقافة حقيقة تعمل لأجل استعادة سيادة الدولة وتحافظ على فكر الأفراد، سنصبح مجموعة من القطيع مهزومين في نظر الساسة وستصبح البلاد مجرد ضوضاء في سوق النعاج.
كوميديا سوداء
السردية التي تستخدمها المليشيا الحوثية منذ بدأت الحرب هي تطيف النشء، وتعد قنابل مؤقّتة، ستفجرها متى تريد عبر تحشيدها العسكري الإجباريّ أو عن طريق أكاذيبها المختلفة، أنها تملك توكيل إلهي بالحكم، هي من آل البيت، وتساند الشعب الفلسطيني، هذا ما يوضح أن أقوالهم وأفعالهم كوميديا سوداء، وذلك عندما تتمكن من حشد كم هائل من القطيع إلى صفوفها، في هذا الأمر يقدم الحاوري في شخصية زعيم الجماعة الانقلابية، على نقد أكاذيبهم بطريقة مضادة وينسف آنذاك خرافتهم بطريقة فكاهية ودقائق قصيرة.
الثقافة الساخرة اليمنية اليوم بين مشهدين كلاهما أسودان، كون الفنان الساخر بين تحدي السردية الحوثية بالإمكانيات البسيطة، وتغير مجرى محاور الترندات العشوائية التي تخفي جرائم هذه الجماعة، وتشغل الناس عن معركتهم الوطنيّة، لذلك يحمل الفنان الساخر مشقة صعبة حتى يتمكن من نقد القضيّة وإيصال الفكرة الصائبة، على هذا يجب أن يترتب الأمر وفق دعم حكومي حقيقي، ومشاركة مجتمعية بما يخدم القضيّة الوطنية، حتى يتمكن المواطن من معرفة حقيقة ما خلف هذا الغطاء الحوثي الأسود من قبح عظيم.